8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ربع قرن على مغامرة الكويت .. العراق تحت الوصاية!

قبل ربع قرن، في الثاني من آب 1990، كانت مغامرة احتلال العراق للكويت وتحويله إلى المحافظة الـ19. بعد ربع قرن على تلك المغامرة المجنونة، صار العراق أقرب إلى محافظة إيرانية من أيّ شيء آخر، خصوصاً بعدما أكّدت طهران، قبل أيام، أنّ العراق صار تحت وصايتها.
كان ذلك بعد تعيين آية الله خامنئي نائباً للوليّ الفقيه في النجف. صار العراق يُحكم من النجف عبر ممثل المرشد الإيراني واسمه مجتبي حسيني.
لم يكن الاحتلال العراقي للكويت الذي وضع المجتمع الدولي حدًّا له، بفضل تماسك الشعب الكويتي ووقوفه في وجه الاحتلال أوّلاً، مجرّد حدث عابر. انتهى العراق في الكويت. كانت المغامرة المجنونة لصدّام حسين تعبيراً عن حال عربية ترفض الاعتراف بموازين القوى القائمة. لم يأخذ صدّام في أي لحظة في الاعتبار أنّ الموازين ليست في مصلحته وأنّ العالم لا يمكن أن يتركه يحتلّ الكويت بأيّ شكل.
سقط في ما سقط فيه جمال عبدالناصر قبله . كان ناصر يعتقد أنّ في استطاعته رفع نصف طنّ من الأثقال. كان ذلك مجرّد وهم. تصرّف من منطلق ما كان يعتقده، رافضاً في أيّ لحظة استشارة اختصاصي يحدّد له بدقة وصدق وزن الحمل الذي يستطيع رفعه. كانت النتيجة هزيمة 1967 التي لا يزال العالم العربي يعاني منها حتّى اليوم. القدس لا تزال محتلة. كذلك الضفّة الغربية. ليس ما يشير إلى أن الجولان يمكن أن يتحرّر يوماً.
لم يكن صدّام حسين يجهل موازين القوى العالمية والإقليمية فقط. كان يجهل كلّ شيء عن الكويت. لم يستطع في أيّ لحظة إيجاد كويتي على استعداد لتأييد الاحتلال. على العكس من ذلك، وقف الكويتيون صفًّا واحدًا خلف قيادتهم في مواجهة الاحتلال.
استخفّ صدّام بالكويتيين واستخفّ بالقيادة الكويتية وبما كان يمثله الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، والشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، والشيخ صباح الأحمد، الأمير الحالي الذي كان شيخ الديبلوماسية العربية.
كان هناك عجز عن فهم ماذا يدور في العالم وما هي الانعكاسات التي ستترتب على سقوط جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني 1989 وانتهاء الحرب الباردة ووجود قوّة عظمى وحيدة في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية.
لم يسأل صدّام نفسه ما الذي سمح له في جعل إيران - الخميني تشرب كأس السمّ بعد حرب مع العراق استمرّت ثماني سنوات. كان يجهل حتّى ما هي المملكة العربية السعودية ومن هو الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، الذي كان يمتلك كلّ المؤهلات التي تسمح له بإدراك خطورة احتلال الكويت وتأثير ذلك على التوازنات الإقليمية وعلى بلده نفسه.
في الثاني من آب 1990، انتهى العراق. ما نشهده اليوم نتيجة طبيعية لتلك المغامرة التي أقدم عليها صدّام حسين، غير مدرك ما هي القدرات الحقيقية لبلده وما هو العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية؟ وما هي طبيعة تلك الإدارة التي على رأسها جورج بوش الأب يعاونه وزير الخارجية جيمس بيكر ومستشار الأمن القومي الجنرال برنت سكاوكروفت؟
بعد احتلال الكويت، قرّرت إيران البدء بنهش الجسد العراقي. حاولت الانتهاء من العراق في شباط 1991، عندما شجعت على انتفاضة في المناطق ذات الأكثرية الشيعية في أثناء الانسحاب العراقي من الكويت تحت ضغط التحالف الدولي.
ما عجزت عنه إيران في 1991، في عهد بوش الأب، نفّذته ابتداء من العام 2003، في عهد بوش الابن.
كانت إيران شريكة في الحرب الأميركية على العراق في 2003. ما رفضه بوش الأب، سمح به بوش الابن واستكمله باراك أوباما. كان في الأساس ذلك الخطأ التاريخي الذي ارتكبه صدّام حسين. هذا كلّ ما في الأمر. المنطقة كلّها تدفع الآن ثمن ذلك الخطأ الذي في أساسه الجهل في كلّ شيء، خصوصاً في ما يدور في العالم.
في كلّ المنعطفات الأساسية التي مرّت بها المنطقة، كان هناك جهل بموازين القوى. استند العرب إلى الفهم الخاطئ لموازين القوى، كي يخوضوا حرب العام 1948 مع إسرائيل، بعد رفضهم قرار التقسيم. الشيء نفسه حصل في 1967. كرّر صدّام الخطأ ذاته في 1990. لم يسأل العراق خبراء في الشؤون الأميركية ما الذي سيفعله جورج بوش الأب وكيف سيكون ردّ فعله على احتلال الكويت؟ هكذا، بكل بساطة، صدّق صدّام حسين ما يقال عن أنّ الجيش العراقي رابع أو خامس جيش في العالم. صدّق ما كان يقوله له حسين كامل الذي تحوّل من مرافق لزوجته وحارس لها إلى زوج لابنته... ثم إلى وزير للصناعات الحربية وخبير في الشؤون النووية!
وضع صدّام اللبنة الأولى لعملية الانتهاء من العراق، وهي عملية دخلت الآن مراحلها النهائية. هذه العملية تجاوزت العراق. بلغت سوريا، التي صارت بدورها تحت الوصاية الإيرانية التي لا بد من التخلص منها يوماً، مثلما تخلّص لبنان من الوصاية السورية ومثلما سيتوصّل إلى التخلص من وصاية طهران.
يختصر ربع القرن الذي مضى منذ غزوة الكويت التحولات في الشرق الأوسط. في أساس هذه التحولات تجاهل موازين القوى والتعاطي مع عالم افتراضي لا وجود له سوى في المخيلات المريضة التي أخذت صدّام إلى الكويت وحافظ الأسد وابنه إلى لبنان... وملالي إيران إلى الاعتقاد بأنّهم يسيطرون على أربع عواصم عربية!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00