تأخّر الإتفاق بين المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، وايران ستة وثلاثين عاما. كان في استطاعة طهران التوصل إلى ما هو أفضل بكثير من هذا الإتفاق في ظلّ شروط أفضل ومن دون كلّ هذا الخراب الذي الحقته السياسة الإيرانية بالمنطقة، خصوصا بلبنان.
الهدف من الإتفاق واضح كلّ الوضوح. من جهة، هناك طمأنة اميركية لإسرائيل في شأن الملفّ النووي الإيراني. وهناك من جهة أخرى مليارات الدولارات ستحصل عليها ايران نتيجة الإتفاق.
وقّعت ايران الإتفاق بعد مفاوضات طويلة مع مجموعة الخمسة زائد واحد لسبب في غاية البساطة. تريد إنقاذ إقتصادها من الإنهيار التام.
يستطيع الرئيس حسن روحاني وغيره من المسؤولين الإيرانيين الحديث عن إنتصارات وانجازات تحقّقت. كلّ هذا الكلام هو للإستهلاك الداخلي. تماما مثل كلام الرئيس باراك أوباما الذي سيواجه معارضة للإتفاق في الكونغرس.
يتفاخر الإيرانيون أنّ لديهم صبرا طويلا. يعطون دائما مثلا على ذلك المدة التي تمضيها عائلة واحدة في حياكة سجّادة. هذا صحيح. لكنّ الصحيح أيضا أن الإيراني يبيع السجادة في أقلّ من خمس دقائق...أو لنقل بعد جدال وأخذ ورد ومساومات قد تأخذ نصف ساعة.
في اللعبة الدائرة مع الولايات المتحدة، لم تكن من حاجة للوصول إلى ما وصلت إليه إيران، أي حال حصار وعقوبات دولية جعلتها ترضخ في نهاية المطاف لشروط الشيطان الأكبر المحبوب جدّا من معظم أفراد الشعب الإيراني. بين الشعب الإيراني وأميركا حكاية غرام طويلة وقديمة. لم تكن الولايات المتحدة يوما ضدّ ايران. على العكس من ذلك، كان هناك دعم أميركي لإيران، حتّى إبان الحرب مع العراق بين العامين 1980 و1988 وفي مرحلة ما قبل الحرب. من يتذكّر فضيحة ايران غيت...التي يتجاهل كثيرون أنّها حقيقة؟
في كتابه الجاسوس الطيّب الموثّق توثيقا جيدا، يشير الكاتب كاي بيرد إلى أنّ مسؤول الـسي. آي. إي في المنطقة بوب إيمز كان أوّل من حذّر الإيرانيين، بعد ثورة آية الله الخميني في العام 1979، إلى إمكان لجوء صدّام حسين إلى شنّ حرب عليهم.
كلّ ما في الأمر، أنّ النظام الإيراني اراد دائما استخدام العداء للولايات المتحدة بحثا عن شرعية ما. هل حصل الآن على هذه الشرعية، وما الثمن الذي دفعه من أجل ذلك؟
حارب الولايات المتحدة في كلّ مكان. كانت كلّ حروبه على حساب الإيرانيين ورفاههم وعلى حساب أهل المنطقة من العرب. هل يستأهل لبنان، على سبيل المثال وليس الحصر، ما حلّ به على يد ايران من أجل الوصول إلى الإتفاق الذي تمّ التوصل إليه مع الولايات المتحدة؟
طوال ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما، إستثمرت ايران في كلّ ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية. فعلت ذلك في كلّ بلد عربي وحتّى في المملكة العربية السعودية التي عرفت باكرا كيف تضع حدا لمحاولات ايران تسييس الحج.
كان في استطاعة النظام في ايران التفاهم مع واشنطن منذ اللحظة التي أطيح فيها الشاه بمباركة أميركية. لم تكن من حاجة إلى كلّ هذا الخراب والدمار للوصول إلى النتيجة التي اسمها الإتفاق في شأن الملف النووي...لو كان في ايران عقل يسعى إلى البناء بدل التخريب من جهة والإمتناع عن الإستثمار في اثارة الغرائز الطائفية والمذهبية من جهة أخرى.
ماذا جنت ايران في لبنان غير الخراب الذي حلّ بلبنان؟ ما هو المشروع السياسي والإقتصادي لإيران في لبنان؟ هل عزل لبنان عن محيطه العربي هدف بحدّ ذاته؟
ما ينطبق على لبنان ينطبق أيضا على سوريا والعراق والبحرين واليمن وحتّى السودان. ماذا جنت ايران من كل استثماراتها في هذه الدول العربية؟ ماذا جنّت من المتاجرة بالقضية الفلسطينية ومن يوم القدس الذي ليس سوى وسيلة للمزايدة على العرب بهدف احراجهم؟
بعد كلّ هذا الخراب والدمار، عادت ايران إلى الحضن الأميركي الدافئ بمباركة اسرائيلية. كان في استطاعتها أن تفعل ذلك قبل ستة وثلاثين عاما، أي في العام 1979، لكنّها فضّلت العمل على نسج السجادة التي ما لبثت أن باعتها. باعتها في مرحلة لم يعد امامها سوى الإستسلام للشروط المفروضة عليها.
العالم كلّه، بما في ذلك العرب، يعرف أنّ المشروع النووي الإيراني كان حجة استخدمها المجتمع الدولي، بمباركة اسرائيلية، لتطويع ايران. هل كانت اسرائيل يوما ضدّ أن تكون جبهة جنوب لبنان جرحا ينزف...على حساب لبنان واللبنانيين وأهل الجنوب تحديدا؟
صبّ الدور الإيراني ولا يزال يصبّ، للأسف الشديد، في تفتيت المنطقة. أين المشكلة الأميركية والإسرائيلية مع هذا الدور؟ أين المشكلة الأميركية والإسرائيلية في تقسيم العراق بواسطة الميليشيات المذهبية التابعة لأحزاب تتلقى تعليماتها من طهران؟ أين المشكلة في أن لا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام؟ أين المشكلة الأميركية في أن تصبح ايران الإبن المدلّل لواشنطن؟
في ضوء الإتفاق النووي، هناك سؤال وحيد مطروح: هل تتغيّر ايران؟ من الصعب الإجابة عن السؤال. لكنّ تجارب الماضي لا تشجّع على التفاؤل، خصوصا أن ليس في طهران من على استعداد للقيام بعملية نقد للذات. تشمل هذه العملية الإعتراف بأنّ سياسة عمرها ستة وثلاثين عاما لم تأت على ايران والإيرانيين وعلى كلّ منطقة الشرق الأوسط سوى بالخراب والتعتير.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.