8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أوباما .. بعين واحدة

سعى الرئيس باراك أوباما في مقابلة مع نيويورك تايمز إلى تسويق الاتفاق الأولي مع ايران في شأن ملفّها النووي. كان واضحا أنّ همّه الأوّل والأخير طمأنة إسرائيل لجهة أن الولايات المتحدة حصلت من ايران على كلّ الضمانات التي تجعل منها عاجزة تماما عن الحصول على السلاح النووي في يوم من الأيّام. قال لتوماس فريدمان الذي أجرى معه الحوار أن الإتفاق ـ الإطار الذي تمّ التوصّل إليه يعتبر أفضل طريقة لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي مضيفا: إذا اقترب أحد من إسرائيل، نحن هنا.
لم يترك أوباما مجالاً لأدنى شك في التزامه الدفاع عن اسرائيل وضمان أمنها. شدّد غير مرّة على أن أميركا تمتلك من القوّة ما يجعلها قادرة على ردع ايران. أشار إلى أنّ الموازنة الدفاعية لبلاده تبلغ ستمئة مليار دولار، في حين أنّ الموازنة الدفاعية لإيران في الحدود ثلاثين مليار دولار فقط. أراد القول أن في استطاعة الولايات المتحدة، بما تملكه من امكانات عسكرية، زجر ايران في كلّ وقت.
فوق ذلك كلّه، قلّل اوباما من أهمّية الخلاف القائم بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مركّزا على أن وجود مثل هذا الخلاف شيء وضمانه لأمن اسرائيل وحرصه عليها شيء آخر. اعترف بوجود مثل هذا الخلاف الذي بدأ يتخّذ طابعاً شخصياً، لكنّه لم يترك أي مجال لأيّ شك من نوع ما بأنّ الولايات المتحدة إنّما توصلت إلى الاتفاق مع ايران من أجل إسرائيل وخدمة لها، نظرا إلى أن لا وسيلة أخرى للحؤول دون امتلاك ايران القنبلة النووية...
بشكل عام، كان الحديث موجّهاً إلى إسرائيل وكيف يجعلها تتقبّل الاتفاق الذي يمهّد لعلاقات طبيعية بين طهران وواشنطن. ولكن ماذا عن الموقف العربي العام من الاتفاق؟ وماذا عن الموقف الأميركي من ايران التي يبدو واضحاً أنّ اوباما معجب بها كلّ الإعجاب؟ بدا معجباً بها إلى حدّ ايراده عبارة عن غياب الرغبة الأميركية في تغيير النظام. وهذا شرط من شروط ايران من أجل التطبيع مع الشيطان الأكبر.
لعلّ أخطر ما في الحديث انكشاف الرئيس الأميركي مرّة أخرى. ما انكشف كان جهله التام بالمنطقة وحضارتها وتاريخها الحديث والقديم. بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، هناك مشكلة عربية، في حين لا توجد مشكلة ايرانية من أي نوع كان. ايران، بنظامها الحالي دولة حضارية بكلّ المقاييس. لم ينس اوباما وضع ايران في مستوى الولايات المتحدة قائلا أنّه علينا الاعتراف بأن ايران بلد معقّد، مثلها مثل الولايات المتحدة، مشيرا إلى الإشارات المشجعة التي تصدر عن ايران، بما في ذلك انتخاب روحاني رئيساً للجمهورية.
حيّا الرئيس الأميركي التوجه الإيراني إلى الانضمام إلى المجتمع الدولي وحركة الاقتصاد في العالم. كلّ شيء في ايران يسير نحو الأفضل، بالنسبة إلى اوباما. لا وجود لميليشيات ايرانية في لبنان ولا لميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وايرانية تحارب في سوريا وتقتل الشعب السوري، بناء على طلب من طهران.
كلّ شيء جميل في ايران، بما في ذلك ما ترتكبه يوميا في العراق حيث ميليشيات تابعة لها تثير الغرائز المذهبية وتنفّذ عمليات تطهير عرقي في حقّ أهل السنّة العرب. لم يسمع اوباما بما حصل في تكريت، المدينة التي يقطنها السنّة العرب والتي ذنبها الوحيد أنّ اسمها ارتبط بصدّام حسين. لم يسمع بدور ايران والنظام السوري في خلق داعش من أجل طرد الأميركيين من العراق بعد خوضهم حربا كلّفتهم أربعة آلاف قتيل من أجل تحويل العراق إلى مجرّد مستعمرة إيرانية...
لم يبلغ أوباما أي شيء عمّا يعانيه لبنان الذي لا يزال من دون رئيس للجمهورية منذ عشرة أشهر ونصف شهر لأنّ ايران تصرّ عبر الميليشيا المذهبية التابعة لها والمسمّاة حزب الله على تغيير النظام في البلد وفرض المثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين بدل المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، كما جاء في اتفاق الطائف.
يتعامى اوباما عن الدور الإيراني في اليمن. لا وجود للحوثيين. الحوثيون هبطوا من السماء ولم يتلقوا يوما أيّ دعم ايراني من أيّ نوع كان. انصار الله، وهو الاسم الذي بات الحوثيون يعرفون به، جاء عن طريق الصدفة. الأكيد أن ايران لم تزوّد هؤلاء لا بالمال ولا بالسلاح.
بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، كلّ ما هو مطلوب أن تفهمه الدول العربية أن مشكلتها داخلية ولا علاقة لها بإيران. على العكس من ذلك، على الدول العربية الدخول في حوار مع ايران وسيساعدها في ذلك. لم يسمع بعد بأنّ ايران لا تحاور العرب، بل تفرض شروطها عليهم بقوة السلاح الميليشيوي والمذهبي.
ايران تستثمر في كلّ ما هو مذهبي من أجل تفتيت المجتمعات العربية. هل يستطيع الرئيس الأميركي تفسير الدعم الإيراني للنظام السوري؟ هل من سبب آخر غير السبب المذهبي، ذي الامتداد اللبناني، لهذا الدعم؟
يريد أوباما معالجة المشاكل الداخلية في الدول العربية كي يشعر الشباب السنّي بأن لديه خياراً آخر غير الدولة الإسلامية. نعم، هناك مشاكل ضخمة داخل المجتمعات العربية. في مقدّم هذه المشاكل التطرّف والجهل. لا مفرّ من مواجهة هذا الواقع العائد إلى غياب البرامج التربوية المتطورة ذات العلاقة بالعصر. لكنّ هناك دولاً خليجية عدة تعمل على مواجهة هذه المشكلة بشجاعة من دون أيّ عقد من أيّ نوع.
ولكن هل المجتمع الإيراني بعيد عن التطرّف؟ لنفترض أنّ ايران دولة مثالية، بل الجمهورية الفاضلة، ماذا عن ميليشياتها وممارساتها في غير منطقة عربية بما خلق حاضنة لـداعش وغير داعش؟
لا يرى أوباما سوى بعين واحدة. قد يكون ذلك عائداً إلى المحيطين به الذين يعتقدون أن العرب شعوب متخلّفة وأن لا رهان أميركياً إلّا على ايران التي يرى فيها مستقبل المنطقة.
يتجاهل أن نصف الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، لأن اموال ايران تصرف على الميليشيات المذهبية وعلى توتير الوضع في بلد مسالم كالبحرين مثلا. يتجاهل أوباما أيضا أنّ الدواعش الشيعية لا تقلّ خطورة عن داعش السنّية. الفارق الوحيد أن لا وجود لأي دولة عربية تستثمر في داعش، على خلاف ما تدعيه ايران.
الأكيد أنّه ليس بالنظر إلى الشرق الأوسط بعين واحدة يمكن تسويق الاتفاق النووي مع ايران. يمكن تسويق الاتفاق اسرائيلياً ويمكن تسويقه ايرانياً، كما يمكن تسويقه اميركياً.. أمّا تسويقه عربياً، فهذا من رابع المستحيلات. لا لشيء سوى لأنّ للعرب عموماً، مشكلة من نوع آخر مع ايران. الملف النووي جزء من هذه المشكلة. الجزء الآخر الأهمّ رهان ايران على أن الغرائز المذهبية ستجعلها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط...على حساب كلّ ما هو عربيّ فيه!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00