8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تفاهم مع الشيطان الأكبر بمراقبة الشيطان الأصغر

كان التوصل إلى اطار لإتفاق في شأن الملف النووي الإيراني امرا أكثر من طبيعي. لم يفاجئ الإتفاق الأوّلي، الذي يمكن وصفه بتفاهم على مبادئ عامة، سوى الذين كانوا يراهنون على غياب الرغبة الإيرانية في تقديم تنازلات من جهة وإدارة أميركية تعرف ما هو النظام الإيراني فعلا من جهة أخرى.
إيران تستهيب الشيطان الأكبر، والشيطان الأكبر يطمح إلى التطبيع مع إيران، ولكن بمباركة الشيطان الأصغر. لذلك، لم يتردّد باراك أوباما في طمأنة بنيامين نتانياهو إلى أنّه لن يوقع إتفاقا نهائيا مع إيران من دون مباركة إسرائيلية.
يعود التوصل إلى الإتفاق إلى سببين الأوّل إيراني والآخر أميركي، وذلك بغض النظر عما يصدر عن المتشددين في إيران عن رفض الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة كي تتمكّن من تسويق الإتفاق. يعود السبب الإيراني إلى إنّ طهران كانت لاهثة إلى التوصل إلى تفاهم ما، حتى لو لم يتخذ شكل إتفاق نهائي، من أجل رفع العقوبات الأميركية والدولية والأوروبية.
هناك قبل كلّ شيء أزمة حقيقية ذات طابع إقتصادي في إيران، التي يعيش ما يزيد على نصف سكّانها تحت خطّ الفقر. سيؤدي أيّ رفع، ولو جزئي، للعقوبات إلى توفير متنفس للإقتصاد الإيراني. هذه الأزمة الإقتصادية العميقة زادت النقمة الشعبية على نظام لم يعد لديه ما يقدّمه لشعبه سوى الشعارات والهرب المستمرّ إلى خارج.
تبيّن بكل بساطة من خلال ردّة الفعل الشعبية على الإتفاق أن الشعب الإيراني، خلافا للإعتقاد الذي يحاول أن يروّج له النظام وادواته في المنتشرة في العالم العربي، مغرم بالأميركيين. لم يكن هناك في أيّ يوم عداء شعبي إيراني للولايات المتحدة. أميركا محطّ إعجاب شديد لدى الإيرانيين عموما، كذلك قيم المجتمع الأميركي.
كلّ ما كنّا نشاهده في طهران من إحراق للأعلام الأميركية والإسرائيلية، لم يكن سوى جزء من ممارسات ذات طابع فولكلوري لا علاقة لها من قريب أو بعيد بحقيقة ما يكنّه الشعب الإيراني للأميركيين. كان حرق الأعلام والشعارات من نوع الموت لأميركا والموت لإسرائيل مجرّد جزء من اسلوب في التصرّف يصبّ في نهاية المطاف في تقديم أوراق الإعتماد لـالشيطان الأكبر، تمهيدا للدخول في صفقات معه أوّلا، ثمّ مع الشيطان الأصغر عندما يصبح الوقت مناسبا لذلك...وحين تنضج الظروف طبعا.
أما السبب الأميركي، فهو عائد إلى قناعة لدى الرئيس باراك أوباما والمحيطين به بأنّ التوصل إلى اتفاق مع إيران يقود إلى تطبيع العلاقات معها هو إنجاز كبير. مثل هذا الإنجاز سيجعل اوباما يدخل التاريخ. هذا على الأقلّ من وجهة نظره ووجهة نظر الحلقة الصغيرة المحيطة به التي تعتبر التقرّب من إيران الجائزة الكبرى التي يمكن أن يحصل عليها الرئيس الأميركي الذي لم يعد أمامه في البيت الأبيض سوى أقلّ من سنتين...
هناك مجموعة في موقع القرار في واشنطن تؤمن إيمانا عميقا بأنّ تطبيع العلاقات مع إيران سيجلب الإستقرار للشرق الأوسط وأنّ إيران شريك في الحرب على الإرهاب، علما بأنّها تفعل كلّ شيء من أجل خدمة الإرهاب والإرهابيين.
في المطلق، لا يمكن لعاقل أن يكون ضدّ أي اتفاق أميركي - إيراني. مثل هذا الإتفاق يمكن أن يساعد في الحؤول دون إنتشار السلاح النووي في المنطقة التي لا تحتاج، بكلّ تأكيد، لأي سباق في التسلّح، خصوصا في المجال النووي.
المشكلة ليست في الملف النووي الإيراني. المشكلة في مكان آخر وهي تتلخّص بسؤال واحد هو الآتي: هل تنصرف إيران إلى الإهتمام بشؤونها الداخلية، في حال بدء رفع العقوبات الدولية عنها، أم تتابع السير في مشروعها التوسّعي الذي يقوم على الإستثمار في إثارة الغرائز المذهبية، بكلّ أنواعها واشكالها؟
إيران دولة ذات حضارة عريقة. لا يمكن لأي شخص تجاهل الوجود الإيراني في المنطقة. هذا شيء، وتصرّفات النظام شيء آخر. ولذلك، من المنطقي التساؤل هل سيؤثّر الإتفاق مع الشيطان الأكبر على السلوك الإيراني أم أن النظام سيستغلّ رفع العقوبات من أجل الذهاب إلى أبعد في التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية؟
المؤسف أنّ ليس ما يشير إلى رغبة إيرانية في أخذ العلم بأنّ السياسة التي تتبعها طهران منذ العام ستعود بالكوارث عليها وعلى الدول العربية. ليس معروفا بعد ما الذي تريده إيران من لبنان. ليس معروفا لماذا تمنع اللبنانيين بالقوّة من إنتخاب رئيس للجمهورية ولماذا هذا الإستثمار في تغيير طبيعة الطائفة الشيعية الكريمة في بلد تبيّن أن صيغته، بكلّ ما فيها من علل، أقوى بكثير مما يعتقد.
لا حاجة إلى الإبتعاد كثيرا، أي إلى اليمن حيث عملت إيران على ايجاد موطئ قدم لها عن طريق ميليشيا مذهبية سميّت انصار الله لا تمتلك سوى مشروع واحد هو إثارة النعرات في بلد لم يفرّق يوما بين زيدي وشافعي. ما الذي لدى الحوثيين يقدّمونه لليمن واليمنيين غير مزيد من البؤس والتخلّف، على كل الصعد، وفوضى السلاح؟ هل يقدّم الوجود الإيراني في اليمن أو يؤخّر في شيء؟ ما الذي يمكن أن تستفيد منه إيران في حال استطاعت أن تكون في اليمن الذي لديه حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية؟ أبهذه الطريقة تستطيع إيران الضغط على السعودية التي أثبتت المرّة تلو الأخرى كم مؤسسات الدولة فيها صلبة؟
لا حاجة ايضا إلى التساؤل ماذا تريد إيران من البحرين ولماذا لا تدعم الإصلاحات التي قام بها الملك حمد بن عيسى آل خليفة بدل تأجيج المشاعر المذهبية والعمل على اثارة الإضطرابات في بلد صغير يطمح إلى تطوير تجربته على نحو إيجابي؟
كذلك، لا حاجة إلى التساؤل لماذا الإصرار الإيراني على المشاركة بذبح الشعب السوري من منطلق مذهبي بحت؟ هل ذلك عائد إلى معاداتها كلّ ما هو سنّي في المنطقة؟
هناك أخيرا العراق. ماذا قدّمت إيران للعراق غير خلق نزاع طائفي أدّى في نهاية المطاف إلى ظهور داعش وتوفير حاضنة شعبية له للأسف الشديد؟
في الوقت الذي كان الذي كان يُعلن فيه عن الإتفاق المبدئي الإيراني - الأميركي، كانت ميليشيات الحشد الشعبي في العراق ترتكب كلّ نوع من الفظاعات في تكريت. كانت هناك عملية منظّمة لنهب منازل تلك المدينة العراقية. هذه الميليشيات جزء من المنظومة الإيرانية في المنطقة. تصرّفاتها تجعل داعش يتمدّد وينتعش. يخسر داعش اليوم ويربح غدا ما دام هناك في إيران من يصرّ على إذلال السنّة العرب في العراق، عن سابق تصوّر وتصميم...
من الباكر إعطاء رأي في التفاهم الإيراني - الأميركي. لا شكّ أنّه حدث في غاية الأهمّية على الصعيد الإقليمي. ما يبعث إلى بعض الإطمئنان وجود وعي عربي لضرورة المبادرة في اثبات أن الشرق الأوسط ليس ملعبا إيرانيا. لذلك كان القرار السعودي بدعم الشرعية في اليمن قرارا في غاية الشجاعة للملك سلمان بن عبد العزيز. إنّه قرار تاريخي في مستوى الأحداث التي يشهدها الإقليم، بما في ذلك التقارب الإيراني مع الشيطان الأكبر في ظل مراقبة شديدة لما يجري يمارسها الشيطان الأصغر...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00