ما الذي يمكن فهمه من التهديدات التي وجّهها قبل أيّام إلى البحرين السيد حسن نصرالله الأمين العام لـحزب الله في لبنان؟ قبل الإجابة عن السؤال، لا بدّ من التذكير بأن حزب الله لا يتحرّك، بل لا يُقدم على أيّ خطوة، من دون طلب ايراني. إنّه في واقع الحال لواء في الحرس الثوري الإيراني، عناصره لبنانية. لم يتدخّل الحزب في سوريا إلّا بناء على طلب ايراني مباشر.
هذا كلّ ما في الأمر. أمّا لماذا التهديدات الموجّهة إلى البحرين في وقت تحاول المملكة الصغيرة لملمة اوضاعها الداخلية، فهذا عائد أوّلاً وأخيراً إلى أن ايران تريد عرض عضلاتها في المنطقة بعدما أثّر فيها هبوط اسعار النفط إلى حدّ بات نظامها مهدّداً.
لا يمكن الفصل بين الخطاب الأخير لنصرالله والوضع الداخلي السيئ، أقلّه اقتصادياً، في ايران. هناك في طهران من يريد توجيه رسائل في كلّ الاتجاهات ردّاً على الضربة التي تلقّاها الاقتصاد الإيراني. الواضح أن لا أجندة أخرى لدى حزب الله غير الأجندة الإيرانية. كان عليه التدخّل عسكرياً في سوريا من منطلق مذهبي بحت، لا لشيء سوى لأنّ ايران تريد ذلك بغض النظر عن الكلفة التي سيتوجب عليه تحمّلها.
أسوأ ما في الأمر أن الحزب يهدّد البحرين غير آبه بالنتائج التي يمكن ان تترتّب على مثل هذه التهديدات، نظراً إلى أنّ مواطنين لبنانيين يعملون في دول الخليج العربي، بما في ذلك البحرين نفسها. كيف يمكن للحزب عدم التفكير في مستقبل عائلات لبنانية تعتاش من الأموال التي ترسل إليها من دول الخليج؟ كيف يمكن له عمل كلّ ما يستطيع من أجل قطع ارزاق عدد كبير من العائلات اللبنانية التي لا تزال مقيمة في لبنان. هل من سبب آخر غير تصرّفات حزب الله وتهديداته وراء المقاطعة الخليجية للبنان؟
يشعر كلّ مواطن خليجي بأنّه مهدّد في لبنان، خصوصاً أنّ هناك حزباً مذهبياً مسلحاً يمتلك ميليشيا خاصة به اقام دولة داخل الدولة اللبنانية. صار الحزب يمثّل الدولة، فيما تحوّلت الدولة اللبنانية إلى دويلة. كيف يمكن لمواطن خليجي الإطمئنان في هذه الحال؟ كيف يمكن للاقتصاد اللبناني أن ينتعش في هذه الحال؟ كيف يمكن لقطاع الخدمات الذي هو من بين الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد اللبناني أن ينمو في هذه الحال؟
لعلّ أكثر ما يعرفه حزب الله أنّ تهديد البحرين يعني تهديد كلّ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هناك حدّ ادنى من التفاهم والتنسيق بين هذه الدول الست. ظهر هذا التنسيق وهذا الحدّ الأدنى من التفاهم في شأن البحرين حيث توجد قوّات خليجية من أجل منع أيّ تمدّد للاضطرابات التي تقف وراءها فئات لديها ارتباطات واضحة بإيران. كانت هذه الفئات تنوي تعطيل الحياة الاقتصادية في المنامة مستغلّة الربيع العربي. وُجدت دول عربية، على رأسها المملكة العربية السعودية عطّلت المخطط.
في النهاية، إنّ أي تهديد للبحرين هو تهديد للأمن الخليجي. وإذا كان من كلمة حق تقال، فما يمكن قوله إن السلطات في المملكة لم تعالج الوضع في البلد من منظور امني فقط. كانت هناك معالجة سياسية ايضا تمثّلت بإصلاحات دستورية توّجت بانتخابات جرت قبل فترة قصيرة في اجواء مقبولة. ما يؤكّد أنه كانت هناك شفافية في هذه الانتخابات التقارير الصادرة عن هيئات دولية محايدة راقبت عمليات الاقتراع.
الأكيد أنّ ثمّة حاجة إلى تطوير الإصلاحات في البحرين، لكنّ ذلك ليس ممكناً في ظلّ أيّ تشنّج من أي نوع كان وفي ظل دعوات إلى قلب النظام وشعارات ذات طابع مذهبي...
في كلّ الأحوال، لا يمكن الفصل بين الحملات التي تتعرّض لها البحرين من جهة وما تعانيه ايران من جهة أخرى. الرئيس الإيراني حسن روحاني نفسه اعترف بأنّ الأوضاع لم تعد تطاق في ايران ووجّه تهديدات إلى الدول التي يعتبر أنّها وراء خفض اسعار النفط...علماً أنّ التهديدات لدول الجوار ليست حلاً للمشكلة الإيرانية، كما لا يمكن أن تساعد في انعاش الاقتصاد الإيراني.
ما يساعد في حلّ مشكلة البلد هو التخلي أوّلاً عن الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية في المنطقة والاقتناع بأن على ايران أن تتصرّف تصرّف دولة طبيعية تهتمّ بشعبها ومشاكلها الداخلية أوّلاً. تبدأ هذه المشاكل بوجود ما يزيد على اربعين في المئة من السكّان تحت خط الفقر وتنتهي بتعاطي المخدرات المنتشرة على شكل واسع.
لن يؤدي الدور الإيراني في العراق والبحرين وسوريا ولبنان واليمن سوى إلى مزيد من الخراب الذي سيصيب المنطقة كلّها. يُفترض في ايران قبل أيّ شيء آخر الاعتراف بأنّ ليس لديها أي نموذج من أيّ نوع تقدّمه لدول المنطقة. لم تكن التجربة الإيرانية في السنوات الخمس والثلاثين الماضية سوى انتقال من فشل إلى آخر عبر عمليات هروب إلى امام لا نهاية لها في المدى المنظور.
صحيح أن ادارة بوش الإبن قدّمت العراق على صحن من فضة إلى ايران، وصحيح أنّ ادارة اوباما انسحبت على نحو عشوائي من العراق تاركة البلد كلّه للنفوذ الإيراني، لكنّ الصحيح أيضا أن طهران لم تحسن التصرّف. كلّ ما فعلته من خلال دعم حكومة نوري المالكي وتوجّهاتها الطائفية كان اثارة الأكراد من جهة وتجييش السنّة العرب كي يوفّروا حاضنة لتنظيم ارهابي مثل داعش من جهة أخرى.
ليس بتهديد البحرين، ولا بالسعي إلى الاستيلاء على السلطة في اليمن، عبر انصار الله، ولا عبر تهديد الحدود السعودية انطلاقاً من العراق، وليس بدعم نظام منتهِ مثل النظام السوري، وليس بمنع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، يمكن لإيران أن تظهر قوّتها.
قوة ايران في هذه الأيام تبدأ بالاعتراف بالواقع المتمثّل في فشل كلّ ما كانت تطمح اليه الثورة على نظام الشاه. هذه االثورة وعدت الإيرانيين بتطوير الاقتصاد والاستفادة إلى ابعد حدود من ثروات البلد الكثيرة بدل الاعتماد على النفط.
في السنة ، ليس لدى ايران سوى النفط تعتمد عليه. الأكيد أنّ التهديدات للبحرين انطلاقاً من لبنان لن ترفع اسعار النفط. كلّ ما يمكن أن تؤدي اليه هذه التهديدات هو الإساءة إلى لبنان واللبنانيين في وقت يبدو الوطن الصغير في حاجة ماسة إلى سائح ومستثمر خليجي يهبط من السماء... ورئيس للجمهورية يعيد الأمل بإمكان اعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.