8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

كان هناك لوبي فلسطيني في واشنطن

يبدو أنّ الشكوى هواية عربية. تغني الشكوى عن تحمّل المسؤولية والتصرف بطريقة معقولة تنمّ عن رغبة في التصرّف بحد أدنى من الجدّية إزاء ما يوصف بالقضايا الكبرى.
يكشف القرار الذي اتخذه فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، الذي يعمل من واشنطن دي. سي والقاضي بتقليص نشاطه، فكرة عن مدى تمسّك العرب عموما بالشكوى من نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الوقت الذي وجد فيه من يتصدّى بفاعلية لهذا اللوبي.
كذلك، تكشف الصعوبات التي تواجه فريق العمل هذا حجم تراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية في ما يسمّى، إلى إشعار آخر، عاصمة القرار الدولي.
فوق ذلك كلّه، يعكس القرار الصعوبات التي باتت تواجه العملية السلمية برمتها والتي جعلت من الإنسداد السياسي سيّد الموقف.
لم يعد من مجال سوى للعنف والتصعيد اللذين في اساسهما الرغبة الإسرائيلية في تكريس الإحتلال لجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية. تستهدف الإجراءات التي تتخذّها حكومة بنيامين نتنياهو قطع الطريق على خيار الدولتين، الذي في اساسه قيام دولة فلسطينية مستقلّة قابلة للحياة.
يرأس فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، الذي عمل منذ سنوات من أجل خيار الدولتين الدكتور زياد عسلي. وهو مقدسي. عمل عسلي، وهو في الأصل طبيب مختص بالأمراض الداخلية، في ايلينوي. انتقل بعد ذلك إلى دي.سي مع زوجته نايلة التي تشاركه في الجهد الذي يبذله فريق العمل من أجل اعطاء صورة مختلفة عن فلسطين ونضال الفلسطينيين من أجل تحقيق اهدافهم الوطنية سلميا.
اتخذت المنظمة سلسلة من الإجراءات بهدف الحدّ من الإنفاق. ستكون مكاتبها أقلّ مساحة وسيكون هناك استغناء عن بعض العاملين فيها. الأهمّ من ذلك، أنها الغت العشاء السنوي الذي تقيمه في العاصمة والذي كان مدخوله يغطي نصف نفقاتها تقريبا.
كان العشاء السنوي الحدث الفلسطيني الأهمّ في دي.سي. كان مناسبة لقياس مدى الإهتمام الأميركي بفلسطين ومدى جدّية الجهود الأميركية الهادفة إلى تحقيق تسوية سلمية معقولة ومقبولة. تأخذ هذه التسوية في الإعتبار رغبة الشعب الفلسطيني في تحقيق طموحاته بصفة كونه شعبا يمتلك كلّ المقومات التي تسمح له بإقامة دولته.
في السنة ، على سبيل المثال وليس الحصر، كانت هيلاري كلينتون ضيف الشرف في العشاء السنوي. كانت لا تزال وزيرة للخارجية، واكّدت في كلمتها مدى التزام الإدارة العملية السلمية. نجد الآن كلامها وكأنّه عفى عليه الزمن بعد مسلسل النكسات الذي تعرّضت له جهود وزير الخارجية جون كيري وزيادة وتيرة العنف التي تترافق مع الزحف الإستيطاني في كلّ الإتجاهات من أجل فرض واقع جديد على الأرض.
تكمن أهميّة فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين في أنّه لعب دور اللوبي الفلسطيني الجدّي القادر على التعاطي مع الأميركيين باللغة التي يفهمونها. لذلك، كانت هناك شخصيات أميركية نافذة على علاقة بالفريق، بما في ذلك شخصيات يهودية اميركية لديها ثقلها. لم يكن اللوبي الفلسطيني في واشنطن يتكلّم لغة خشبية ترضي المتاجرين بالقضية الفلسطينية الذين يتكلمون امام مرآة والهدف من كلامهم ارضاء نفسهم ليس إلّا.
لا شكّ أن عوامل كثيرة ساهمت في وصول الوضع إلى ما وصل اليه. هناك التعنت الإسرائيلي الذي يعبّر عنه الإستيطان. وهناك ادارة اوباما التي تتفنّن في كيفية تفادي أيّ مواجهة مع اليمين الإسرائيلي ومع نتنياهو بالذات. وهناك التصعيد الذي تمارسه حماس انطلاقا من غزّة والذي يستفيد منه المتطرفون الإسرائيليون إلى أبعد حدود. وهناك سلطة وطنية فلسطينية عاجزة عن تحقيق اي اختراق سياسي حقيقي على الصعيد الفلسطيني.
صحيح أنّ السلطة الوطنية تسجّل نقاطا في اوروبا بعدما اعترفت السويد بالدولة الفلسطينية، لكنّ الصحيح ايضا أنّ مثل هذه النقاط الإيجابية لم تجد ترجمة لها في الضفّة الغربية، خصوصا مع الإصرار على التخلص من الدكتور سلام فياض وحكومته. كانت حكومة سلام فيّاض، الذي اقام علاقة وثيقة مع فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين أفضل ما حدث لفلسطين في السنوات القليلة الماضية، خصوصا أنّه ركّز على قيام مؤسسات فلسطينية تصلح لدولة تحترم نفسها. كذلك، جعل الضفة الغربية ارضا مرحّبة بالفلسطيني، أي ارضا غير طاردة لأهلها كما تأمل اسرائيل. فالهدف الإسرائيلي يتلخّص بالتخلص من اي فلسطيني في فلسطين، داخل الخط الأخضر وخارجه مع تركيز خاص على القدس واحيائها العربية والأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية فيها.
يمثّل فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين الوجه الحضاري لفلسطين في واشنطن. يشكو العرب يوميا من اللوبي الإسرائيلي من منطلق أنّه يؤثّر في مراكز القرار والإعلام الأميركي.
جاء اخيرا من يستطيع مقاومة اللوبي الإسرائيلي، حتى داخل المنظمات اليهودية الأميركية. حقّق فريق العمل اختراقات في كلّ الإتجاهات داخل المجتمع الأميركي وذلك على الرغم من الإمكانات الضئيلة التي امتلكها. وهذه الإختراقات عائدة قبل كلّ شيء إلى اللغة التي استخدمها. إنّها باختصار لغة بعيدة عن الشعارات المضحكة ـ المبكية التي تجعل الأميركي يعتقد أن كلّ عربي ينتمي إلى داعش.
المؤسف أنّه لم يوجد من يريد الإستفادة من الفرصة المتاحة للعرب والفلسطينيين في الولايات المتحدة عموما وواشنطن تحديدا. يبدو واضحا أنّ معظم العرب يفضّلون الشكوى من اللوبي الاسرائيلي بدل الدخول في مواجهة جدّية معه عبر من اتقن لعبة واشنطن دي.سي، فاقام علاقات مع قسم كبير من الجهات النافذة ومراكز الأبحاث الجدّية ومع وسائل الإعلام الأميركية التي تمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام حتّى داخل الإدارة والدوائر الرسمية.
كان هناك للمرّة الأولى لوبي فلسطيني فعّال في واشنطن، لكنّه لم يوجد من يريد الإستفادة من فعاليته. هل هذا عائد إلى أن الشكوى من نفوذ اللوبي الإسرائيلي تغني عن أي محاولة لتحمّل المسؤولية؟ يبدو أن هذا السؤال أقرب إلى الحقيقة من أيّ شيء آخر نظرا إلى أنّه يطرح المشكلة كما هي بعيدا من أيّ لف ودوران.
ملخّص المشكلة أن العرب لا يريدون دعم الفلسطينيين بغير الكلام، فيما لا يوجد بين الفلسطينيين انفسهم، حتّى بين الأغنياء منهم، من يريد أن يكبّد نفسه مشقّة طرح سؤال بديهي من نوع لماذا اسرائيل قويّة في واشنطن ولماذا لا يتجرّأ المقيم في البيت الأبيض توجيه أي لوم من أي نوع كان لسياساتها التي لا تصبّ سوى في تكريس الإحتلال للأرض الفلسطينية وحرمان شعب من حقوقه؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00