يعتبر تشكيل الرئيس الإنتقالي عبدربّه منصور هادي حكومة يمنية برئاسة خالد البحاح تحديا واضحا للحوثيين ، أي لمن يسمّون أنفسهم انصار الله. كذلك، هناك تحدّ للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي لا يزال على رأس المؤتمر الشعبي العام اكبر الأحزاب اليمنية.
لم يأت تشكيل هذه الحكومة من فراغ. هناك عاملان لعبا دورا في تمكين الرئيس الإنتقالي من تشكيلها. العامل الأوّل دعم الولايات المتحدة والدول الإقليمية، على رأسها دول مجلس التعاون الخليجي للرئيس عبد ربّه منصور هادي.
أمّا العامل الثاني فيتمثّل في رغبة الحوثيين في عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والظهور في مظهر من يريد القضاء نهائيا على العملية السياسية التي يرعاها المجتمع الدولي. لم يأت اوان الدخول في مثل هذه المواجهة، ما داموا يتحكّمون بالأرض وبصنعاء نفسها حيث يقيم الرئيس الإنتقالي وتوجد كلّ مقارّ المؤسسات الأساسية للدولة، بما في ذلك البنك المركزي ووزارة الدفاع والداخلية والخارجية والمالية...
بكلام اوضح، لا رغبة لدى الحوثيين في ادارة الدولة اليمنية بشكل مباشر. يريدون ذلك من خلف الستار، نظرا إلى معرفتهم الجيدة بالمشاكل الكبيرة التي يعاني منها البلد والتي لا حلول لديهم لها. وبكلام اكثر وضوحا ايضا، إنّهم يفضّلون عدم الظهور في الواجهة وترك غيرهم يتحمّل النتائج المترتبة على النقمة الشعبية العارمة التي تطال كلّ من يمارس أيّ مسؤولية حكومية على أي صعيد كان، وفي أي مجال كان.
يعرف انصار الله جيدا ما يريدونه. لذلك، نجدهم يتحرّكون بطريقة ذكية. يحكمون سيطرتهم على المناطق الشمالية وعلى صنعاء نفسها ويسعون في الوقت ذاته إلى توسيع مناطق نفوذهم في الوسط، ذي الكثافة السكانية الشافعية. السؤال الآن، هل يتركون الحكومة الجديدة تمارس صلاحياتها، ام يعملون على ازاحتها؟
من الواضح، أنّ لا رغبة لديهم في الإقدام على أي خطوة دراماتيكية في المدى القصير، حتّى لو كان لديهم اعتراض على الحكومة. فالوقت يعمل لمصلحتهم، اللهمّ إلّا اذا تبيّن ان المقاومة التي يواجهونها في طريقهم إلى السيطرة على مناطق الوسط وصولا إلى عدن ومضيق باب المندب أقوى بكثير مما يعتقدون.
عندئذ سيكون لديهم خيار آخر. يتمثّل هذا الخيار في الإرتداد في اتجاه الشمال أكثر مع الإحتفاظ بصنعاء.
ما حقّقه الحوثيون، حتّى الآن، ليس قليلا. من كان يصدّق انّهم سيسيطرون على صنعاء وسيهزمون قبل ذلك الإخوان المسلمين وآل الأحمر ويخرجونهم من معاقلهم في عمران، كما سيطردون عددا لا بأس به منهم من البلد؟
هناك بكل بساطة توازن جديد للقوى في اليمن. هذا التوازن لمصلحة ايران التي تسيطر على انصار الله تماما كما تسيطر على حزب الله في لبنان. جديد الأيّام القليلة الماضية تشكيل حكومة يمنية، رغم اعتراض الحوثيين وعلي عبدالله صالح من جهة والعقوبات الدولية والأميركية على الرئيس السابق واثنين من القادة الحوثيين من جهة أخرى.
هذا الجديد سيجعل انصار الله يعيدون حساباتهم، ولو قليلا. سيجعلهم يتريثون قبل الإقدام على خطوة كبيرة من نوع الإعتصام مجددا في صنعاء لإسقاط الحكومة. فقد كشف تطوّر الأحداث أنّ الرئيس هادي ما زال يمتلك انيابا. من وفّر له هذه الأنياب كان مجلس الأمن والولايات المتحدة والدول الخليجية الراضية على حكومة البحاح.
هل تكفي هذه الأنياب للدخول في مواجهة مع الحوثيين ومع حليفهم التكتيكي، نعم التكتيكي، علي عبدالله صالح. فكلّ ما يقال عن حلف استراتيجي بين الرئيس السابق وانصار الله كلام غير دقيق. هذا على الأقلّ ما يقوله علي عبدالله صالح نفسه الذي بينه وبين الحوثيين ست حروب وثلاثة عشر الف شهيد. جرت هذه الحروب بين و وكانت تدور في صعدة، حيث معقل انصار الله الذين لم يتمددوا في اتجاه المحافظات الأخرى إلّا بعد الإنقلاب الذي اجبره على التنحي والذي كان وراءه الإخوان المسلمون وآل الأحمر (اولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر)، زعماء حاشد سابقا.
لم تكن لدى علي عبدالله صالح مصلحة في الدخول في مواجهة مع الحوثيين في صنعاء. ما فتح لهم ابواب صنعاء كان انتصارهم غير المتوقّع في عمران على اللواء التابع للواء علي محسن الأحمر وسيطرتهم على معسكرات هذا اللواء ومخازن السلاح التابعة له. ما فتح لهم ابواب صنعاء، التي كان لديهم وجود كبير فيها اصلا، هو رهان عبد ربّه منصور على أنّ الوقوف موقف المتفرّج عندما حصلت معارك عمران مطلع تمّوز ـ يوليو الماضي سيستنزف الطرفين. كان رهانه على أنّه سيلعب دور الرئيس القوي والحكم بين الجميع في حال استمرّت المواجهات بين انصار الله واللواء الذي يتحكّم به الإخوان المسلمون.
الآن، وبعد توقيع عبد ربّه منصور اتفاق السلم والشراكةمع الحوثيين وباشراف الأمم المتحدة ممثلة بجمال بنعمر، من المشروع التساؤل هل من عملية سياسية في اليمن في اساسها ما اسفر عنه مؤتمر الحوار الوطني؟ الواضح أن تشكيل حكومة يمنية يستهدف تأكيد ذلك، علما ان المعطيات على ارض الواقع تنفي امكان الإستمرار في العملية السياسة المنبثقة عن الحوار الوطني الذي أقرّ الدولة الإتحادية ذات الأقاليم الستة.
هناك بكل بساطة تعارض تام بين ما اسفر عنه الحوار الوطني وما ورد في اتفاق السلم والشراكة الذي فرضه سلاح انصار الله. إنّها مسألة وقت فقط، ويعرف بعدها هل يمكن للعقوبات الدولية التي رافقت تشكيل الحكومة الجديدة أن تلغي ما فرضه الحوثيون على الأرض، خصوصا أنّهم موجودون في صنعاء، وأنّهم يعتبرون، بلسان زعيمهم عبدالملك بدر الدين الحوثي، أنّهم قاموا بثورة قضت على النظام السابق الذي تأسس في السادس والعشرين من ايلول سبتمبر العام اثر اطاحة الإمامة.
كلّ ما يمكن قوله في نهاية المطاف أن أيّاما حاسمة تنتظر اليمن. والمقصود باليمن ليس الشمال والوسط اللذين يتحرّك فيهما الحوثيون في مواجهة مع القاعدة ووسط انقسام ذي طابع مذهبي.
هناك ايضا موضوع الجنوب الذي سيطرح نفسه بحدة نهاية الشهر الجاري. هناك اطراف ستعلن استقلاله من جانب واحد وذلك في ذكرى جلاء الإستعمار البريطاني في الثلاثين من تشرين الثاني ـ نوفمبر . هل ستكون هناك حرب جديدة مع الإنفصاليين الجدد؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.