4 أيار 2020 | 08:48

أخبار لبنان

مخطط تغيير وجه لبنان حقيقة أم وهم؟

لا شك أنّ وجود خطة إنقاذية، وبصرف النظر عن الثغرات والملاحظات، يبقى أفضل بكثير من ‏‏"لا خطة". لكن، مجرد الاعلان عن الانقاذ على الورق لا يعني انّ الانقاذ قد تمّ فعلاً. وبالتالي، ‏لا إشهار الافلاس كما في 7 آذار 2020 كان يحتاج احتفالية، ولا الافراج عن خطة حكومية ‏يستحق مهرجاناً وطنياً تاريخياً‎.‎

تتمتّع الخطة الحكومية للاصلاح في مضمونها بنقاط قوة ونقاط ضعف. وهي مثل أي دراسة أو ‏اقتراح تحتاج تعديلات وتحسينات لتصبح في وضع أفضل. ولا شك في أنّ من مصلحة البلد ‏وناسه، أن تنكبّ الحكومة على دراسة كل الملاحظات والاقتراحات، لتشذيب الخطة وجعلها ‏متماسكة اكثر، ومتماهية مع الهدف الرئيسي للانقاذ، وألّا تتعاطى مع أي تغيير تضطر اليه على ‏انه "هزيمة" لها و"انتصار" لمَن قدّم اقتراح التعديل‎.‎

لكن، ومن المفارقات أنّ ما يعتبره البعض نقطة ضعف في الخطة، هو في الواقع نقطة القوة ‏الاساسية. اذ يرى هؤلاء انّ الخطة بكل تفاصيلها صيغت لكي تكون ممراً الى صندوق النقد ‏الدولي. والواقع، وحتى لو سلّمنا جدلاً بصحة هذه النظرية، فهي ليست تهمة بل أقرب الى ‏الانجاز. وهناك 3 اسباب على الأقل تجعلنا نقول انّ صندوق النقد اكثر من ضرورة في هذا ‏الوضع للأسباب التالية‎:‎

أولاً - ضمان الحصول على أموال طازجة‎ (Fresh money) ‎لتمويل الخطة، خصوصاً انّ مستويات ‏الانكماش في خلال تنفيذ خطط الانقاذ تحتاج تمويلاً من خارج المنظومة الاقتصادية شبه ‏المعطّلة‎.‎

ثانياً - عامل الثقة الذي قد يؤمّنه التعاون ضمن برنامج مع صندوق النقد هو بمثابة ضمانة لا ‏بأس بها لتكبير نسَب إمكانية نجاح الخطة، وخروج البلد من الأزمة‎.‎

ثالثاً - الرقابة التي قد يفرضها الصندوق للتأكد من أنّ الحكومة اللبنانية تنفذ مندرجات البرنامج-‏الخطة الذي جرى التوافق عليه، هو الامر الذي نحتاجه أكثر من أي أمر آخر. والواقع، انّ ثقة ‏اللبنانيين بقدرة الحكومة، أيّ حكومة، على تنفيذ ما ترسمه على الورق معدومة نهائياً. وبالتالي، ‏يُشكّل التعاون مع الصندوق فرصة للضغط على الحكومات لتنفيذ التزاماتها‎.‎

طبعاً، هذا لا يعني انّ هذه الضمانة (رقابة الصندوق على التنفيذ) تلغي مخاطر تخلّف الحكومة ‏اللبنانية عن تنفيذ وعودها. اذ ليس مستبعداً ان تلتزم الحكومة وتحصل على دفعة أو أكثر من ‏التمويل الذي قد يرصده صندوق النقد، ومن ثم تتخلّف عن تنفيذ البرنامج الاصلاحي. أو في ‏احسن الاحوال قد تتحايَل وتتلاعب، وتنفذ انتقائياً، بحيث نصل الى الفشل. هذه الامور حصلت ‏مع دول عدة تعاونت مع صندوق النقد. هذه الدول هي من الامثلة الفاشلة التي يعطيها ‏المعترضون على اللجوء الى الصندوق للقول انّ التعاون مع الصندوق يجلب الويلات وليس ‏الانقاذ للدول التي تخضع لوصايته. لكن الواقع ان حكايات الفشل، وهي كثيرة، ترتبط بسلوك ‏حكومات تلك الدول، وليس بسبب "شروط" الصندوق‎.‎

وينبغي أن نأخذ في الاعتبار التطوير الذي شهده عمل صندوق النقد، وطريقة تعاونه مع الدول ‏التي تحتاج مساعدته، خصوصاً في أعقاب أزمة 2008، وما تلاها من قرارات اتخذت تباعاً ‏على مدى سنوات في قمم عقدتها مجموعة الـG20‎، ومن ضمنها "أنسنة" شروط الصندوق، وجعله ‏يهتم أكثر بتنمية الاقتصاديات، وليس فقط بتصحيح ميزان المدفوعات. ويمكن تلخيص التطوير ‏الذي شهده الصندوق في السنوات العشر الأخيرة بالاصلاحات التالية‎:‎

اولاً - كوتا الدول، وتمثيلها في الصندوق‎.‎

ثانياً - أسلوب التمويل، ومصادر الصندوق‎.‎

ثالثاً - الحوكمة داخل الصندوق، خصوصاً على المستوى الاداري‎.‎

رابعاً - أدوات عمل الصندوق مثل القروض المراقبة والدعم التقني. (هذا الدعم استفاد منه لبنان‎).‎

خامساً - طبيعة دور الصندوق في مساعدة الدول الأقل تطوراً. (قروض جديدة‎).‎

وبالتالي، لا مبرّر للقلق حيال التعاون مع صندوق النقد. لكن المطلوب الذهاب بخطة جيدة، ‏تطمئن اللبنانيين الى مستقبلهم. اذ لا يجوز الاتّكال على "ضمير" الصندوق لكي يجري التعديلات ‏التي تضمن بقاء لبنان كما نعرفه لجهة الليبرالية غير المتوحشة، والواحة المميزة في المنطقة. ‏ولأنّ هناك شكوكاً تصل الى حد الاعتقاد أن هناك مؤامرة لتغيير وجه لبنان من خلال بعض ‏مندرجات هذه الخطة، واذا كان هذا القلق في غير محله، على الحكومة أن تُسارع الى تصحيح ‏مكامن الخلل في الخطة، لكي تزيل هذا الالتباس. أما الاصرار على عدم تغيير حرف فيها، فهذا ‏سيكون بمثابة شبهة ترتقي الى مستوى اليقين، أنّ هناك فعلاً مؤامرة جرى زرعها تعت عنوان ‏الخطة الانقاذية، وهي حتماً لن تشكّل إنقاذاً للبلد، بل ستشكّل تدميراً لما تبقّى من قيمه التي يتمسّك ‏بها السواد الأكبر من اللبنانيين‎.‎



انطوان فرح - الجمهورية

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 أيار 2020 08:48