4 أيار 2020 | 08:31

إقتصاد

الى "صندوق النقد"... در!‏

أقرّت حكومة حسان دياب "خطة التعافي المالية"، وأدارت ظهرها إلى داخل قلق ومتسائل ومكتوٍ ‏بنار دولار ظالم، متجهة نحو خارج مشكّك ومشترط ومنهكة خزائنه بفعل تكاليف "كورونا" ‏وأخواتها من تداعيات لم تُعدّ بعد ولم تُحصَ... ‏

في 53 صفحة بنسخة إنكليزية لم تُترجم إلى العربية بعد، ربما لدحض التساؤلات بعدم دقة ‏الترجمة التي تُركت قصدا "في التصرّف"، إختصرت الحكومة، وفي سابقة لم تُتح لها الأخذ ‏بخلاصات إستشارات إقتصرت على قلّة محظية، رؤيتها للنظام الإقتصادي الذي حدّد الدستور ‏اللبناني حريته المطلقة، فإقترحت قيودا على حركة المال مضافة إليها معايير وجهات الإستثمار، ‏لتقود إقتصاد لبنان بذلك نحو خيارات الإقتصاد الموّجه الذي لا يتلاءم وهويته وثقافته وقوانينه.‏

هي خطة إفتراضية تماشيا مع "الزمن الإفتراضي" سعيا إلى 10 مليارات دولار على مدى خمس ‏سنوات. أعلنت الحكومة حربها على النظام المالي، فرغبت في إعادة هيكلته لتحديد حجم ‏الإحتياطي الفعلي في مصرف لبنان والمصارف وكشف الخسائر، وطرحت الإصلاحات المزمنة ‏على بساط وعود غير مضمونة الأفق، وإستعانت بشعارات "كليشيهات" لم تتخلَ عنها أي ‏حكومة. الإقتصاد الإنتاجي والنمو وشبكات الأمان الاجتماعي، عناوين لم تستهلك وقتا لتفاصيل ‏قد يكمن فيها شياطين كثيرة. تحسّست الضائقة المعيشية، وفتحت الباب لبرامج مستوردة من ‏الخارج (البنك الدولي ومؤسسات) بغية إعانة الشرائح الأكثر فقرا... إستخدمت كل ما يستهوي ‏صندوق النقد من طروحات وأفكار أملا منها بالحصول على معونة الـ10 مليارات بعد "مرونة" ‏غير واضحة أو مبرّرة، طرأت على "الفيتو" الذي سبق لـ"حزب الله" أن وضعه محذّرا من ‏الوقوع في شروط الصندوق! ‏

لكن، كيف سبيل الحكومة إلى النجاح وهي التي قطعت شعرات التواصل مع "شركائها" الفعليين ‏بما يضمن لها حسن تنفيذ خطة، يتطلب المجتمع الدولي أن تحوز توافقا داخليا شاملا؟ فهجمة ‏حسان دياب على "أداء مريب" لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "المتروك" وحده بلا ‏تعيينات مالية مساندة، لا يخدم صورة الجهاز الحكومي "المستقل" المولج عملية الإشراف ‏والتنفيذ، وخصوصا بعد توتر "الإقالة" التي أثارت تحفظ واشنطن وأغضبت باريس. وليس ‏بعيدا، خسرت العلاقة ما بين دياب والمصارف روح التعاون بفعل سياسات المعاقبة، رغم أن ‏العرف يفترض "مغازلة" بنك المال الذي سيُحمّل فشل الدولة في تسديد ما لها وما عليها. كذلك، ‏إستُبعدَ نصف الطبقة السياسية من التشاور المسبق، لتكتفي الحكومة بتحويل مهمة "الإطلاع" إلى ‏بعبدا في موعد حدّده رئيس الجمهورية الأربعاء المقبل. لكنه يأتي متأخرا بعد النشر، بما يجعله ‏لقاء "رفع عتب". وإن كانت كتلة "المستقبل" إعتذرت وتساجلت مع الرئاسة الأولى، فإن حماسة ‏الكتل الأخرى لا تبدو أنها ستخرجها عن إطار "شاهد ما شافش حاجة".‏

وفي أهم الأفرقاء الذين أغفلتهم الحكومة، هم الثوار الذين عادوا إلى شارع أرادت "كورونا" ‏إخلاءه قسرا.. لكن "كوى" الدولار إلتهم القدرات الشرائية ودفع التضخم إلى مستويات قياسية ‏ترجمتها أسعار السلة الإستهلاكية، فإندفع هؤلاء إلى المشاكسة والخروج من أَحجار باتت خاوية ‏المأكل والمشرب، بعدما ارتفع عدّاد الفقر حاصدا المزيد ممن انضموا إلى نادي البطالة. وأكثر، ‏لجأت الحكومة إلى فرض ضرائب جديدة تضخيما لإيراداتها، ومرّت "مرور الكرام" على آليات ‏الدعم الذي تحوّل إلى "حزم مالية" في معظم دول العالم، وإنتقلت إلى برامج وإجراءات وأجندات ‏لإصلاح القطاع الإجتماعي وتطوير شبكات الأمان لحماية الشرائح الأكثر ضعفا... لكن، ماذا ‏عن اليوم والغد، وهناك 60% يأتوون بخط الفقر؟

تسع ركائز لخطة إستندت إلى سعر صرف (الدولار بـ3500 ليرة) ولم تتخذ قرارا في شأن ‏تحريره، لكنها لم تتوانَ عن إبداء رغبتها في "الإنتقال إلى سعر أكثر مرونة". حدّدت الخسائر ‏المالية بنحو 220 تريليون ليرة، وفرضت أعبائها على مصرف لبنان والمصارف والمساهمين ‏الأثرياء (إختياريا) وحَمَلة الأسهم الأجانب ("اليوروبوند"). فتحت الخيارات على مصراعيها بغية ‏إسترداد الأموال المنهوبة والودائع المهرّبة، وإرغام المصارف على دفع أرباح حولتها الى ‏الخارج لـ5 سنوات، وطلبت إسترداد عوائد الهندسات المالية وإيرادات الفوائد المفرطة. ‏باختصار، إفترضت الحكومة في خطتها 80 مليار دولار كحجم لحاجات التمويل على مدى ‏خمس سنوات. ‏

لكن، ثمة تساؤلات كبيرة على مصادر هذا التمويل الذي لن يجدي أن يأتي من داخل منهك لأن ‏الحاجة إلى "أموال جديدة" ‏Fresh Money، كما أنه لن يتسرّب من خارج أفلسته "كورونا"، ‏ليبقى صندوق النقد هو الخيار المتاح، لكن المشروط. إلى ذلك، تطال التساؤلات مصير سعر ‏الصرف وهامش المرونة الذي يتيح بعض المناعة للقدرات الشرائية، والإصلاحات الهيكلية ‏ومدى التزام الحكومة حسن التطبيق، ومصير النمو الطارد للركود المزمن، وتأثيرات "كوفيد ‏‏19" التي قضت على الطبقة الوسطى ودفعتها إلى قاع الفقر الذي يفترض تخفيف حدته. وربما ‏الأهم، كيفية الحفاظ على الوظائف في ظل إنفراط حبات "دومينو" القطاع الخاص نتيجة ‏الضغوط التضخمية.‏

هي تساؤلات بدأت تتردّد أصداؤها من بيروت المتعالية على الواقع، إلى واشنطن التي تململت ‏على وقع نشر "خطة التعافي"، وسألت عن مدى الالتزام بالإصلاحات من قبل حكومة يشكّل ‏‏"حزب الله" جزءا منها، وصولا حتى باريس التي ذكّرت بمطالبتها المزمنة بخطة إصلاحية، ‏رافضة ما وصفته بـ"الخطة التدميرية" للإقتصاد اللبناني. ‏

إلى صندوق النقد.. درّ! هكذا سلك طلب لبنان لبرنامج إنقاذي طريقه، والجواب سيأتي في زيارة ‏لوفد الصندوق الى بيروت هذا الشهر... على أمل ألا تطول حلقات التفاوض، لئلا يأتي الفرج ‏ولا يجد مَن ينتظره!‏



Arab Economic News‏ - فيوليت غزال البلعة

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 أيار 2020 08:31