2 أيار 2020 | 09:04

أخبار لبنان

ثلاثة أوهام تُكبِّل إنتفاضة اللبنانيين

ثلاثة أوهام تُكبِّل إنتفاضة اللبنانيين

كتب حسام عيتاني في صحيفة الشرق الأوسط:‏


مع استئناف اللبنانيين انتفاضتهم في وجه الكارثتين الاقتصادية والسياسية اللتين ابتلوا بهما، ‏استؤنف البحث عن سبل الخروج من حفرة الفقر والذل والمجهول التي أوقعت الطغمة الحاكمة ‏المواطنين فيها. اكتنف البحث هذا مسايرة لأوهام رأى بعض سكان هذا البلد فيها المخرج المرجو ‏من جحيم لا تتوقف حممه عن لسع اللبنانيين، وتحطيم آمالهم وحاضرهم.‏

الوهم الأول هو الاعتقاد بأن إقالة موظف من هنا أو حكومة من هناك، سواء عبر الضغط ‏الشعبي أو من خلال إجراءات يتفق السياسيون عليها، ستساهم في تحسين الوضع العام والبدء في ‏وقف الانهيار. تأسس هذا الوهم على الظن الخاطئ أن في لبنان حكم قانون، وأن السلطات فيه ‏تخضع للآليات الديمقراطية في المحاسبة والرقابة والتوازن، في حين أن لا شيء يشبه هذا الظن ‏في الواقع ولو شبهاً بعيداً. فالنظام اللبناني لا يستجيب لضغط الشارع بسبب عزلته عن الناس، ‏واحتقاره لهم، واعتبارهم مجرد زينة تُستدعَى في مواسم الانتخابات، وتُدفَع حين يدعو الداعي ‏إلى أتون الحروب الأهلية. وليس أبلغ في الدلالة على ذلك من إعلان زعماء القوى السياسية ‏الرئيسة أنهم سيسحبون ممثليهم من «حكومة التكنوقراط» عند كل خلاف في إدارة الشأن العام. ‏هذه الحكومة التي تشكلت بعد إسقاط سابقتها التي كان يترأسها سعد الحريري، في الشارع، بعد ‏تظاهرات 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي قيل إنها حكومة كفاءات تمثل روح ‏الانتفاضة ونبضها، في حين أنها لا تمثل غير مستشاري «محركي الدمى».‏

ويبلغ هذا الوهم مستوى المهزلة، عندما يظن أصحابه أن النظام السياسي اللبناني سينهار من تلقاء ‏ذاته، أو بسبب تناقضاته الداخلية، وأن الأرضية باتت مهيأة لمجيء جيل من السياسيين ذوي ‏التوجه الديمقراطي. كان مسار السنوات الثلاثين الماضية النقيض التام لهذا التصور الطفولي.‏

أما الوهم الثاني، فيكمن في الترويج لإمكان استعادة أموال اللبنانيين التي بددتها الحكومات ‏المتعاقبة بالتكافل والتضامن مع المصارف، عبر إجراءات قانونية ومراسلات مع دول ‏ومصارف أجنبية. وأن في هذه الاستعادة المزعومة للثروات المنهوبة خلاص لبنان، وبداية ‏تعافيه تمهيداً لبناء دولة أكثر عدلاً وأقرب إلى الشفافية. يجتمع في هذا الكلام التضليل بالوهم. ‏فالأموال المنهوبة، سواء التي راكمها القادة السياسيون وكبار رجال المصارف والأعمال، أو تلك ‏التي حُوِّلت إلى الخارج، نُهبت وحُوِّلت تحت غطاء قانوني متماسك ومتين، ولن تتمكن أي هيئة ‏مدنية أو حكومية من استعادة جزء يسير منها، من دون أن تكون بفعلتها هذه تباشر هدم هيكل ‏الدولة اللبنانية القائمة منذ 1943، وليس منذ ثلاثين عاماً كما تقترح دعاية شعبوية ساذجة.‏

تدمير الدولة وسلطتها الحالية، يعني فيما يعنيه فتح «صندوق بندورا»؛ خصوصاً أن أياً من دعاة ‏استعادة الأموال لا يملك أبسط تصور عن الكيفية التي يتعين بها الاستفادة من الثروات المنهوبة ‏التي تندرج في أرقامها مدخرات صغار المودعين الذين يسمعون يومياً تطمينات من السياسيين ‏والمصرفيين على ودائعهم؛ لكنهم يُمنعون بتواطؤ حلف غير مقدس، أضلاعه المصارف ‏والقضاء والأجهزة الأمنية، من استعادتها.‏

يتجاهل أنصار الوهم هذا أنه ليس لدى لبنان اليوم وظيفة في الاقتصاد العالمي، وأنه رقعة لا ‏قيمة لها في السياسات الدولية؛ حيث لم تعد شعارات مثل «حماية مسيحيي الشرق» تعني شيئاً ‏في الغرب، ولا التهديد بموجة لاجئين جديدة ترسو عند الشواطئ الأوروبية تستدر مساعدات ‏تنتهي في جيوب مسؤولين رسميين، لا تقل تفاهتهم عن فسادهم.‏

الوهم الثالث يتردد بين مجموعات من الناشطين ترى إمكان إجراء تغيير جذري في البنية ‏السياسية اللبنانية، في الوقت الذي يصبح فيه العنف الطائفي والأهلي عنوان المرحلة المقبلة.‏

فلبنان: «بفرادته واستثنائيته» سيكون مرة جديدة نموذجاً «حضارياً» للمنطقة العربية. نظرة إلى ‏التاريخ اللبناني الحديث تكشف هزال هذا القول وخواءه. فبلدنا الصغير بات أضعف وأفقر وأكثر ‏عزلة عن العالم مما كان عليه قبل خمسين عاماً، على سبيل المثال. في الوقت الذي ألقت فيه ‏الأنظمة المحيطة به رداء القومية العربية والبعث الاشتراكي، وكشفت عن وجهها الطائفي ‏الدموي.‏

وسيكون أمراً يتجاوز سوء التقدير؛ بل البلاهة، الاعتقاد بأن قوى لا تعرف غير العنف والقتل ‏والاغتيال لغة للتخاطب، مثل تلك التي تحكم سوريا التي تحيط بلبنان من الشمال والشرق، ‏ستترك البلد المنكوب يقرر مصيره في معزل عن إرادة حكامها ومندوبيها المسلحين في لبنان. ‏هؤلاء المندوبون الذين سارعوا إلى تخوين المتظاهرين والاعتداء عليهم من دون أي ذريعة، ‏وشكلوا الدرع الصلبة في الدفاع عن تحالف الفاسدين والمصارف والقوى الطائفية، هم الذين ‏يراهن بعض مؤيدي الانتفاضة على ضمهم إلى صفوف المطالبين بالتغيير وبالثورة على النظام ‏الطائفي الفاسد.‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

2 أيار 2020 09:04