8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الانتخابات العراقية .. والناخب الإيراني

كان مفيدا أن تجري إنتخابات تشريعية في العراق بعد أربع سنوات وشهرين تقريبا من آخر إنتخابات جرت في البلد. إذا كانت الإنتخابات الأخيرة في العراق أثبتت شيئا، فهي أثبتت أن الديموقراطية لا تهبط من السماء. الديموقراطية ليست سوى تتويج لعملية طويلة يمرّ خلالها المجتمع بتجارب عديدة تصبّ في إتجاه تطويره وصولا إلى مرحلة يصبح فيها ممكنا تنظيم إنتخابات حرّة بالفعل.
في العام ، فازت في الإنتخابات، وإن بفرق ضئيل، قائمة كان على رأسها الدكتور إياد علّاوي الذي توافر له دعم عربي معلن. فشل علّاوي لأسباب، عائد بعضها إلى شخصه، في تشكيل حكومة. كان هناك إعتراض إيراني عليه. أدّى ذلك إلى تولي نوري المالكي تشكيل حكومة لم تبصر النور إلّا بعد مضي عشرة أشهر على الإنتخابات. لم يستطع المالكي إستكمال تشكيل الحكومة. بقيت حقائب أساسية فيها، بما في ذلك الداخلية والدفاع في عهدته. كانت تلك إشارة إلى مدى النفوذ الإيراني في العراق. لكنّها كانت أيضا إشارة إلى وجود قوى ما زالت تقاوم هذا النفوذ.
في الإنتخابات السابقة، كما في الإنتخابات الأخيرة، تبيّن أنّ لا معنى لأي إنتخابات في غياب الوعي الإجتماعي والحريات العامة المضمونة عن طريق الممارسة وليس فقط عن طريق الدساتير والقوانين. لا معنى للإنتخابات في بلدان تتحدّث فيها الدساتير عن الحريات العامة في حين يمارس الحاكم أبشع أنواع التسلط متذرّعا في معظم الأحيان بحماية الأمن القومي كما الحال في سوريا. لا معنى للإنتخابات ما دام لا تداول سلميا للسلطة وما دام الهدف من الإنتخابات تكريس أمر واقع. يتمثّل الأمر الواقع في العراق بأن نوري المالكي، أو من ينوب عنه من حزب الدعوة شخص لا غنى عنه لإيران، لذلك، يجب أن يبقى في موقع رئيس الوزراء.
عرف نوري المالكي كيف يمارس اللعبة الإنتخابية وقبلها اللعبة السياسية وليس اللعبة الديموقراطية. سيعود على الأرجح رئيسا للوزراء في العراق لولاية ثالثة بعدما صار رجل إيران في البلد. لم يعد في العراق مكان لزعيم سياسي لا يرفع شعار الدفاع عن طائفته بدل الدفاع عن العراق ووحدة أراضيه وعن الشراكة الوطنية في صنع مستقبل أفضل للعراقيين بغض النظر عن الدين والطائفة والمنطقة.
كشفت الإنتخابات العراقية، التي إنتهت بتقدّم قائمة المالكي دولة القانون بأكبر عدد من المقاعد، أنّ العراق ليس مهيّأ بعد لإنتخابات. إنّه مهيأ فقط للعب الدور المطلوب منه لعبه، إي دور الساحة بالنسبة إلى إيران، على غرار ما هو عليه لبنان.
في سياق لعب العراق لهذا الدور المفروض عليه، لم يتردّد المالكي في إثارة الغرائز المذهبية التي زادت من عمق الشرخ بين الشيعة والسنّة. هذا على الصعيد الداخلي، حيث صارت المناطق التي فيها أكثرية سنّية متهمة بايواء الإرهاب والإرهابيين. هناك حملات عسكرية على المناطق التي تعتبر سنّية من أجل إسكات أيّ معارض سياسي. صار مطلوبا من كلّ سنّي أن يفحص يوميا دمّه لتأكيد أنّه ليس إرهابيا وعنصرا من عناصر القاعدة وتوابعها.
على الصعيد الخارجي، لم يعد يمرّ يوم من دون حملة على دول الجوار في منطقة الخليج العربي، على رأسها المملكة العربية السعودية، من أجل تبرير الحملة التي تشنّها السلطات العراقية على المناطق السنّية.
فجأة صارت دول الخليج العربي مصدر كلّ الشرور. كاد المالكي أن يتهم هذه الدول بأنها وراء إنعدام الأمن في كلّ العراق، بإستثناء المنطقة الكردية طبعا، وإنقطاع الكهرباء وأزمة المياه والصرف الصحّي في كلّ مدينة وبلدة وقرية...
ترافق ذلك مع إنضمام النظام في العراق إلى الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه من زاوية بحت مذهبية. صارت هناك ميليشيات عراقية تقاتل إلى جانب كتائب الأسد وميليشيا حزب الله في مختلف المناطق السورية. كلّ الشعارات المرفوعة في هذه الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري ذات طابع طائفي ومذهبي للأسف الشديد. يحدث ذلك بمجرّد أنه بات مطلوبا إيرانيا إنقاذ نظام بشّار الأسد من منطلق أن سوريا إمّا تكون لإيران أو لا تكون لأحد.
من بوابة الحملة على الدول العربية الخليجة، إلى الدخول طرفا مباشرا في الحرب على الشعب السوري، مرورا، في طبيعة الحال، بتلبية المطالب الإيرانية في الداخل العراقي، لم يعد هناك بديل من نوري المالكي أو من يمثّله في حزب الدعوة. هناك دفتر شروط إيراني إستطاع الرجل تلبية بنوده. لم يعد هناك من خيار آخر أمام العراقيين غير الولاية الثالثة للمالكي...أو لمن ينوب عنه من حزب الدعوة.
لم يكن الشعب العراقي مهيأ لإنتخابات. الإنتخابات تحتاج إلى حدّ أدنى من الوعي السياسي. ليس بمجرّد الإنتهاء من نظام صدّام حسين الذي لعب دورا أساسيا في القضاء على نسيج المجتمع العراقي، يمكن أن يصبح العراق، بموجب التمنيات الأميركية، دولة ديموقراطية تصدّر تجربتها للمنطقة. كان الأميركيون في عهد بوش الإبن يعتقدون أن العراق سيكون نموذجا لدول المنطقة، قبل أن يظهر أنّه لم يعد سوى نموذج لما يمكن أن تكون عليه الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وما يتجاوز الشرق الأوسط.
ما تبيّن، نتيجة الإجتياح الأميركي للعراق ووصول من وصل إلى السلطة على دبابة أميركية، أن البلد الذي سلمته الولايات المتحدة لإيران على صحن من فضّة في حاجة إلى إعادة بناء نفسه.
لا يمكن لميليشيات طائفية وأحزاب لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما هو حضاري في هذا العالم ألمساهمة في إغناء التجربة الديموقراطية في أي بلد من بلدان العالم. فكيف الأمر في بلد مثل العراق لم ير يوما أبيض منذ ذلك اليوم المشؤوم من صيف العام حين حصل إنقلاب دموي أطاح النظام الملكي؟
ما ظهر جليّا في العراق، أن الناخب الأوّل، وربّما الوحيد، كان إيران التي ستعيد المالكي، أو شبيها له، إلى السلطة بمجرّد إلتزامه دفتر الشروط المطروح. وهذا يفسّر الحذر الكردي المشروع والمخاوف السنّية التي تبدو، للأسف، مبرّرة أكثر من أي وقت.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00