لا يختلف إثنان على أنّ لبنان في حاجة الى سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّها مجلس النواب ولا يزال يبحث عن تمويل لها. اللبنانيون مظلومون. الظلم ليس عائدا إلى إنتشار السعي إلى الهجرة وإلى البطالة وإرتفاع الأسعار، أسعار كلّ شيء في البلد فقط.
الظلم الحقيقي عائد إلي أنّ هناك، أيضا، من يعمل على إفقار لبنان واللبنانيين وتهجيرهم من أرضهم.
يهتمّ بعض اللبنانيين بسلسلة الرتب والرواتب ولا يعيرون إنتباها لمن يسعى إلى إفقارهم وإفقار البلد. يتلهون بالقشور بدل التركيز الجدّي على الأسباب التي تعيق إعادة الحياة إلى الإقتصاد اللبناني، في وقت كان طبيعيا أن يكون لبنان المستفيد الأوّل من الأحداث التي تعصف بالمنطقة.
يلعب المهتمّون بسلسلة الرتب والرواتب، بدل مواجهة الحقيقة المتمثّلة في أن هناك من يريد نشر البؤس في البلد، اللعبة التي يبدو مطلوبا منهم لعبها. تتلخص هذه اللعبة في الذهاب إلى المطالب الشعبية، وهي مطالب محقّة فعلا، بدل التركيز على الأساس.
الأساس هو السلاح غير الشرعي الذي يمنع لبنان من أن يكون بلدا طبيعيا وأن يستفيد شعبه من الفرص المتوافرة على كلّ صعيد بدل أن يكون أسير الغرائز المذهبية التي جعلت المصلحة الإيرانية تتقدّم بكلّ بساطة على مصلحة اللبنانيين.
هذا ما كان يفترض أن يتنبّه إليه النواب الكرام في وقت أفاق من أفاق بشكل مفاجئ على سلسلة الرواتب بهدف تعميق الأزمة السياسية والإقتصادية في البلد. جاءت الإستفاقة في الذكرى التاسعة والثلاثين لإندلاع الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرض لبنان في الوقت ذاته، أي في الأيآم المحيطة بالثالث عشر من نيسان من العام . من يتمعّن في المتظاهرين الذين يرفعون شعارات ويطلقون هتافات، من النوع المضحك ـ المبكي، يكتشف للأسف الشديد أن هناك بين اللبنانيين من لا يريد أن يتعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب.
نعم، من حقّ اللبنانيين العيش الكريم وتحسين أوضاعهم المعيشية. من حقهم الطموح إلى وضع أفضل. من حقّهم خصوصا توفير الرعاية الصحية لكلّ فرد وتأمين التعليم لكل طفل وشاب لبناني. ولكن من حقّ اللبنانيين أوّلا وأخيرا أن يعرفوا لماذا كلّ هذا الإصرار على تحميل خزينة الدولة ما لا تستطيع تحمّله. من حقّهم قبل كلّ شيء معرفة لماذا يعاني بلدهم مما يعاني منه ومن المسؤول عن الإنهيار الإقتصادي؟
بدل الهرب من الواقع عن طريق تحميل خزينة الدولة والقطاع الخاص أعباء جديدة، من واجب اللبنانيين طرح سؤالين بسيطين على أنفسهم. السؤال الأوّل: من وراء تعطيل العجلة الإقتصادية وهل من نموّ من دون تحريك هذه العجلة؟
أما السؤال الآخر فهو مرتبط بالجهة التي تجعل هيئات ونقابات وجهات تتحرّك فجأة من أجل مطالب معيّنة بعد تشكيل حكومة شبه معقولة نالت ثقة مجلس النوّاب، بقدرة قادر، في ظلّ ظروف إقليمية، أقلّ ما يمكن وصفها به إنها في غاية التعقيد؟
يرتبط السؤال الأوّل بالسؤال الثاني عضوياً. مَن يريد تعطيل العجلة الاقتصادية هو نفسه مَن يحرّك مطالب نقابات وهيئات من أجل إظهار حكومة تمام سلام في مظهر الحكومة العاجزة. لماذا لم يحصل تحريك لهذه المطالب عندما كانت حكومة حزب الله برئاسة نجيب ميقاتي تدير شوون البلد؟ هل كانت هذه الحكومة عاجزة عن إقرار سلسلة الرواتب طوال ثلاث سنوات، أم أن همّ حكومة حزب الله كان منصبّا على كيفية زرع الألغام لأي حكومة يمكن أن تخلفها.. وهذا ما حصل بالفعل؟
بداية، على اللبنانيين أن لا يضحكوا على أنفسهم. بعد ذلك، يمكن البحث في كلّ التفاصيل وحتّى بالقضايا المهمّة والتي يمكن وصفها بالأساسية. من بين هذه القضايا الأساسية مستقبل البلد والنشاط الإقتصادي فيه. على اللبنانيين أن يصارحوا أنفسهم. لا وجود لحياة إقتصادية سليمة في بلد توجد فيه مربّعات أمنية، أي في بلد فيه دولة حزب الله والدويلة اللبنانية.
تفرض دولة حزب الله استراتيجيتهاعلى الدولة اللبنانية. ممنوع على العرب المجيء إلى لبنان والإستثمار فيه. ممنوع على اللبنانيين أن يكونوا متساوين أمام القانون. ممنوع على الدويلة اللبنانية أن تعيد الكهرباء إلي البلد. ممنوع عليها وقف التهريب. ممنوع عليها تفعيل الجمارك. ممنوع عليها أن تكون دولة لا أكثر ولا أقلّ. فضلا عن ذلك كلّه، على الدويلة اللبنانية تلبية حاجات اللبنانيين وتلبية ما لا يستطيع حزب الله تأمينه لعناصره، فضلا عن تغطية المشاركة في ذبح الشعب السوري!
ما نشهده في لبنان أكثر من معيب. لا يمكن الإعتراض على مطالب العمّال والموظفين والمعلّمين وكلّ من يسعى إلى العيش الكريم. لكنّ تحقيق ذلك لا يجوز على حساب المصلحة العامة للمواطنين وما كان دولة لبنانية.
في الواقع، هناك ما هو أهمّ من ذلك بكثير. ما هو أهمّ من ذلك بكثير هو الإقتصاد اللبناني. ما يجري حاليا هو بمثابة تدمير مبرمج للإقتصاد اللبناني بهدف نشر البؤس في كلّ أرجاء الوطن الصغير. هناك تله بالقشور تفاديا للذهاب الى الجذور.
الذهاب إالي الجذور يعني أوّل ما يعني السلاح غير الشرعي لدى ميليشيا مذهبية تابعة لقوة خارجية تستخدم لبنان ساحة. لا يمكن لـساحة أن تصير دولة. ولا يمكن لما ينتج عن ساحة تشكيل إقتصاد عصري. هذا ما لم يفهمه للأسف الجديد الذين يطالبون بسلسلة الرتب والرواتب من دون دراسة معمّقة لكيفية تغطية الزيادة الناجمة عن الأعباء التي ستترتب على الدولة وعلى على القطاع لخاص في لبنان، خصوصا المصارف.
هناك بإختصار، مقوّمات لإنعاش الإقتصاد اللبناني. في طليعة هذه المقوّمات عودة العرب، خصوصا الخليجيين منهم إلى لبنان.
من يرفض ذلك ومن يشجّع في الوقت ذاته على الإضرابات؟ الأمر لم يعد سرّا. هناك من يريد إفقار لبنان ونشر البؤس به. هناك من يريد توجيه ضربة قاضية إلي الإقتصاد اللبناني كي تنتصر دولة حزب الله على الدويلة اللبنانية. هذا كلّ ما في الأمر. الباقي تفاصيل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.