حضر حزب الله جلسة الحوار الوطني التي دعا اليها رئيس الجمهورية أم لم يحضر. حضوره مثل غيابه لا يقدّم ولا يؤخّر. فالحوار، أي حوار، يفترض أن يستهدف تحقيق نتائج محددة تخدم لبنان واللبنانيين. هل حزب الله حرّ في اتخاذ قراراته كي يكون الحوار مجديا معه؟ هل هناك وعي لدى الحزب لأهمية لبنان كوطن جامع بين اللبنانيين وليس ساحة ايرانية لا أكثر؟
الى الآن، لم يستخدم الحزب الحوار الّا من أجل تغطية تصرّفاته التي تصب في خدمة اجندة لا علاقة لها بلبنان واللبنانيين. من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى جلسات الحوار التي انعقدت قبل حرب تمّوز 2006. قدّم الحزب بلسان أمينه العام كلّ الوعود بأنّ الصيف سيكون هادئا ولن يعكّر سماء لبنان أي حادث أمني. كانت النتيجة حربا مدمّرة على لبنان بعد خطف جنديين اسرائيليين. سمح الحزب لاسرائيل بتدمير جزء من لبنان. لولا النخوة العربية لكانت قرى بكاملها لا تزال ركاما. على الرغم من هذه النخوة والمساعدات العربية، لا تزال آثار للدمار في الجنوب وبعض المناطق الأخرى.
كان الانتصار الوحيد الذي حقّقه لبنان صدور القرار 1701 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة. منذ صدور القرار، هناك للمرّة الاولى منذ العام 1969 فترة طويلة من الهدوء النسبي في جنوب لبنان. وهناك للمرة الاولى منذ نحو خمسة وثلاثين عاما انتشار للجيش اللبناني في الجنوب مع قوة دولية معزّزة. كان وجود الجيش اللبناني في الجنوب ممنوعا. كانت اسرائيل تفضل بقاء الجنوب جرحا نازفا تبعث من خلاله الرسائل على حساب أهله أوّلا.
لم يدخل الجيش اللبناني الى الجنوب نتيجة الحوار. كان حزب الله ومن خلفه النظام السوري وايران ضدّ وجود الجيش اللبناني في جنوب لبنان. أصبح قائد الجيش اميل لحود في العام 1998 رئيسا للجمهورية اللبنانية بفضل الوشاية التي تبرّع بها لحافظ الاسد، الرئيس السوري وقتذاك، عن وجود محاولة جدّية لارسال الجيش الى جنوب لبنان.
هل هناك من يريد أن يتذكّر ذلك؟ هل من يريد أن يتذكّر أن النظامين السوري والايراني كانا يمنعان الجيش من الانتشار في الجنوب بحجة أنه سيحمي اسرائيل؟ ما هذه الكذبة السمجة التي ما لبثت أن تبدّدت بعد صدور القرار 1701 بفضل الانتصار الذي حقّقه حزب الله على اسرائيل في حرب صيف 2006!
لا شيء منتظرا من الحوار ما دام حزب الله لا يرى أين مصلحة لبنان. ومصلحة لبنان تقضي حاليا، مثلما قضت منذ الانتشار الفلسطيني المسلح في البلد نتيجة اتفاق القاهرة المشؤوم، في حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. مصلحة لبنان واللبنانيين تقضي بدعم الاقتصاد اللبناني. مصلحة لبنان واللبنانيين في التوقف عن المشاركة في ذبح الشعب السوري من منطلق مذهبي بحت. مثل هذه المشاركة سترتد على لبنان آجلا أم آجلا للأسف الشديد.
حزب الله في واد ولبنان واللبنانيون في واد آخر. الدليل على ذلك أن الحزب يعمل من أجل جعل الوطن الصغير رافضا لأهله. يريده أيضا رافضا للعرب الذين يأتون اليه للسياحة أو الاستثمار فيه. حزب الله مع افقار لبنان واللبنانيين وضرب الاقتصاد اللبناني من أجل تحويل البلد مستعمرة ايرانية لا أكثر.
يسعى الحزب، الذي ليس في نهاية المطاف سوى ميليشيا مذهبية تشكل لواء من ألوية الحرس الثوري الايراني الى تغيير طبيعة المجتمع اللبناني. يريد نشر البؤس في كلّ زاوية من زوايا لبنان. انه الحليف الطبيعي والموضوعي للتكفيريين ولكلّ من يحمل فكرا متطرفا، بمن في ذلك المتعصب مسيحيا...انه باختصار مع كلّ من يريد القضاء على مؤسسات الدولة اللبنانية التي لا يؤمن بها الّا اذا كانت بإمرته وتحت تصرّفه.
مارس حزب الله منذ قيامه عمليات تطهير في احياء معينة من بيروت بغية احتلال مواقع فيها وتغيير طبيعة المدينة. يسعى هذه الأيام الى جعل هذه التجربة تشمل كلّ لبنان. بدل أن يتحدث الامين العام للحزب فجأة عن الانفتاح وعن مساهمة علماء جبل عامل ومفكريه في نشر العلم والمعرفة في كلّ المنطقة وفي الدفاع عن اللغة العربية، وهي مساهمة تندرج في سياق الدور الطليعي لأهل الجنوب تاريخيا، ربّما عليه أن يتساءل من هجّر في الثمانينات من القرن الماضي الارمن من بيروت الغربية، من رأس بيروت وزقاق البلاط والوتوات تحديدا؟ من هجر أكبر عدد من المسيحيين من رأس بيروت ومن المزرعة والمصيطبة؟
ربّما عليه أن يتساءل أيضا لماذا كان استهداف الجامعة الأميركية في بيروت وكلّ المؤسسات التعليمية المتحضرة في مرحلة معيّنة؟
مرّة أخرى، الحوار لا يقدّم ولا يؤخر. وافق حزب الله على اعلان بعبدا، الذي يمثّل ضمانة للبنان وما لبث أن تراجع عنه. الحوار المفترض هو مع طرف يؤمن بلبنان المزدهر وثقافة الحياة وليس مع طرف ينحصر همّه في المشاركة في الحكومة من أجل توفير غطاء للتدخل العسكري في سوريا...
يبقى أنّ ما قام به حزب الله من خلال مقاطعة الحوار الوطني هو مقاطعة لرئاسة الجمهورية. ما الهدف من هذه المقاطعة؟ هل هي موجهة ضدّ الرئيس الحالي ام هي في سياق المخطط الهادف الى تغيير طبيعة النظام اللبناني...أي الى المثالثة بديلا من المناصفة؟
هناك ما هو أبعد من مقاطعة الحوار الوطني وأبعد من البحث عن غطاء للتدخل العسكري في سوريا من منطلق مذهبي بحت. هناك حزب يسعى الى تغيير طبيعة لبنان العربي بدءا بالمسّ بمقام رئاسة الجمهورية ودورها. يفعل ذلك باسم ما يسمّيه المقاومة، فيما المقاومة الحقيقية هي المقاومة اللبنانية لوضع اليد الايرانية على البلد بواسطة سلاح غير شرعي موجّه الى صدور المواطنين العزل في كلّ منطقة لبنانية من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.