8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان بين مقاومة ..ومقاومة

هل يتحمّل لبنان مقاومة معروف جيّداً ما الهدف منها؟
المطلوب بكلّ صراحة مقاومة ما يسمّى بـالمقاومة التي لا هدف لها سوى نشر البؤس في البلد وإثارة الغرائز المذهبية ومنع أي مواطن عربي، خصوصاً إذا كان خليجياً، من المجيء الى لبنان والاستثمار فيه والمساعدة في تطوير اقتصاده.
هناك مقاوم لثقافة الحياة في لبنان. وهناك مقاوم من أجل لبنان والرفع من شأن اللبناني وتمكينه من العيش مواطناً كريماً يكسب قوته من عرق جبينه وليس بفضل اقتصاد ريعي يعوّد الانسان على الكسل وعلى الاتكالية وعلى أن يكون، في كلّ آخر شهر، تحت رحمة إيران وغير إيران.
نعم، هناك مواطن يمارس المقاومة الحقيقية في لبنان. مَن المقاوم الحقيقي في لبنان؟ المقاوم الحقيقي هو الذي يعضّ على الجرح ويوافق على الدخول في حكومة المصلحة الوطنية من اجل حماية البلد ومواطنيه وليس من أجل تغطية المشاركة في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه المظلوم. هذا المقاوم يقدّم كل التضحيات التي يستطيع تقديمها من أجل لبنان واللبنانيين ومن أجل التأكيد أنّ لا أمل في نظام ايراني يتصرّف من منطلق أن لبنان ورقة من أوراقه يستطيع استخدامها ساعة يشاء وكيفما يشاء بالطريقة التي يشاء.
المقاوم الحقيقي في لبنان هو من يرفض أن يكون قراره مرتبطاً بما تريده ايران ورهنا بمصالحها، بما في ذلك أن يكون لبنان مجرّد ساحة تُستخدم في عقد صفقة مع الشيطان الاكبر الاميركي، الى ما قبل فترة قريبة، والشيطان الاصغر الاسرائيلي في مرحلة لاحقة. هل لبنان وطن أم ساحة في نهاية المطاف؟
المقاوم الحقيقي هو من يستخدم عقله ولا يضحك على جمهوره ويستخفّ بعقله. المقاوم الحقيقي يسعى في الوقت ذاته الى إبعاد لبنان عن كلّ أنواع الغرائز المذهبية التي ليست سوى أداة تستخدمها ايران خدمة لأطماعها الاقليمية. وهي أطماع أخذت بعداً جديداً ابتداء من العام 2003 في ضوء الاحتلال الاميركي للعراق بعد حرب كانت إيران شريكاً أساسياً فيها. إنّها الحرب التي كلفت الادارة الاميركية تريليونات الدولارات وآلاف القتلى والجرحى... ولم يخرج منها سوى منتصر واحد هو النظام في ايران.
لا حاجة الى اعطاء دروس في المقاومة، خصوصاً أن لبنان عانى طويلاً من هذه الذريعة التي لم تكن يوماً سوى وسيلة لضرب مؤسسات الدولة من جهة وفرض الهيمنة على البلد وعلى الحياة السياسية فيه، عن طريق السلاح غير الشرعي، من جهة أخرى.
مَن يسعى الى إقحام المقاومة في البيان الوزاري بديلاً من إعلان بعبدا إنما لا يريد سوى انتصار ثقافة الموت على ثقافة الحياة. إنّه يريد عملياً استخدام اللبنانيين وقوداً في حرب النظام السوري على شعبه بعدما استخدم قسماً منهم طويلاً في عملية اخضاع لبنان للوصاية الايرانية - السورية ثم للوصاية الايرانية الصرفة منذ اليوم الذي اضطر فيه بشّار الاسد الى سحب قواته من البلد الصغير في نيسان/ابريل 2005.
من يصرّ على إدراج كلمة المقاومة في البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمّام سلام في اطار ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة انما يعمل على تأكيد أنّ الوطن الصغير لن تقوم له قيامة يوماً وأن هذا البلد كناية عن دولة اسمها دولة حزب الله ودويلة كان اسمها الجمهورية اللبنانية. هل لبنان دولة أو دويلة؟
هل يقبل اللبنانيون ذلك... أو كلّ ما في الأمر أنّ عليهم الرضوخ للسلاح الذي يمتلكه حزب الله الذي ليس في نهاية المطاف، بحسب أدبيات الحزب نفسه، سوى لواء في الحرس الثوري الإيراني!
الأهمّ من ذلك كلّه أنّ من يصرّ على ربط التوصل الى صيغة للبيان الوزاري بكلمة المقاومة، انّما لا يريد أن يتعلّم من تجارب الماضي القريب.
كانت التجربة الأولى، التي يفترض بأي لبناني التعلّم منها، تجربة المقاومة الفلسطينية التي عادت بالويلات على الفلسطينيين واللبنانيين. أثبتت هذه التجربة أن كلّ سلاح غير شرعي في لبنان يصبّ في تهجير مزيد من اللبنانيين من أرضهم وجعل القضية الفلسطينية أسيرة شوارع بيروت وطرابلس وصيدا وأزقة المدن الثلاث وغيرها...
لم يكن هناك في يوم من الأيّام أي منطق من أي نوع كان للسلاح الفلسطيني في لبنان باستثناء أنّه برّر الدخول العسكري السوري بحجة حماية المسيحيين فيه. كانت النتيجة تحوّل المسيحي اللبناني الضحيّة الاولى لهذا الوجود السوري الذي استمرّ نحو ثلاثة عقود والذي صب في تدمير صيغة العيش المشترك لمصلحة حلف الاقلّيات... الذي تقوده مجموعة طائفية معيّنة في سوريا. ترفع هذه المجموعة كلّ الشعارات الوطنية والعروبية، بما في ذلك شعار المقاومة ومحاربة اسرائيل من أجل تغطية مآربها الحقيقية.
ليست صيغة الشعب والجيش والمقاومة سوى الطريق الاقصر للقضاء على ما بقي من مؤسسات ما كان الجمهورية اللبنانية السعيدة. على اللبنانيين أن يتصارحوا في ما بينهم. هل صحيح أنّ القرار 1701، الذي وافق حزب الله على كلّ كلمة وكلّ سطر فيه نتيجة انتصاره في حرب صيف العام 2006، يحمي لبنان بفضل التعاون القائم بين الجيش اللبناني والقوات الدولية أو لا؟
إلى إشعار آخر، حمى هذا القرار، الذي صار عمره ثماني سنوات، لبنان. إذا كان من درس يمكن تعلّمه من حرب صيف العام 2006 أن لا أحد يحمي لبنان غير الجيش اللبناني وغير سياسة واقعية. تقوم هذه السياسة على أن ليس في الامكان تحرير فلسطين انطلاقاً من لبنان... الّا اذا كان المطلوب تحقيق انتصار على لبنان بديلاً من تحقيق انتصار على اسرائيل.
فـالمقاومة صارت بكلّ بساطة وسيلة للقول للبنانيين ان لا مستقبل لهم ولأبنائهم في هذا البلد.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00