8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من مشروع روجرز إلى مشروع كيري

لعبت المملكة الاردنية الهاشمية دورا بارزا في رسم حدود الدولة الفلسطينية. كان ذلك عبر قرار فكّ الارتباط الذي اتخذه الملك الحسين، رحمه الله، في تموز- يوليو 1988. صدر القرار بفك ارتباط الاردن بالضفّة الغربية قبل اسابيع قليلة من اعلان الدولة الفلسطينية المستقلّة في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في الجزائر في تشرين الثاني- نوفمبر من تلك السنة.
يبدو مفيدا التذكير بهذه المعطيات من أجل تأكيد أن الاردن كانت تعتبر دائما أنّ من مصلحتها قيام دولة فلسطينية مستقلة استنادا الى خطوط 1967 عاصمتها القدس الشرقية. فالاردن لا تتحدّث بلسانيين ولا تخفي توجهاتها على أحد، لا على الصديق ولا على من يضمر للمملكة شرّا.
ما لم يكن خافيا على أحد يوما أن الديبلوماسية الاردنية دفعت دوما في اتجاه تسوية تقوم على خيار الدولتين. وما نشهده حاليا من ثمار الجهود الاردنية والالحاح على الدفع في اتجاه التفاوض من أجل التوصّل الى تسوية تاريخية تضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة القابلة للحياة.
جديد المرحلة الراهنة أن المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية التي بدأت قبل فترة تترافق مع دور أميركي فاعل يتولاه وزير الخارجية جون كيري الذي زار المنطقة ما يزيد على عشر مرّات خلال فترة قصيرة. يسعى كيري، بكلّ بساطة، الى تحقيق انجاز بين الفلسطينيين والاسرائيليين في غياب قدرته على تحقيق أي تقدّم في الملفات الأخرى التي يتولاها.
على رأس هذه الملفات الأخرى، تأتي الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه منذ ثلاث سنوات تقريبا والتي يبدو أنّها ستنتهي بتفتيت للبلد.
معروف أن المملكة الاردنية الهاشمية تتضرّر يوميا جراء الحرب الدائرة في سوريا. هناك مئات آلاف النازحين السوريين في الاردن التي تعاني أصلا من شحّ في الموارد والمياه. هناك أزمة انسانية ضخمة تسبب فيها اللاجئون السوريون. يضاف الى ذلك مشكلة مرتبطة بالارهاب والجماعات المتطرّفة التي يمكن أن تتسلل الى الاراضي الاردنية. معظم هذه الجماعات مدفوع من النظام الساعي دائما الى تصدير أزماته الى المحيط السوري وخلق المشاكل لجيرانه...باستثناء اسرائيل طبعا!
في هذه الظروف المعقّدة، جاءت زيارة الملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة واللقاء الذي عقده مع الرئيس باراك اوباما في كاليفورنيا. حصل عبدالله الثاني على مساعدات أميركية يمكن أن تساهم في تخفيف الاعباء السورية عن المملكة. هذا انجاز في حدّ ذاته، يساعد في مواجهة الازمة الناتجة عن تدفق اللاجئين السوريين.
الاهمّ من ذلك، تأكيد العاهل الأردني أن المملكة معنيّة بكلّ المواضيع المرتبطة بحلّ نهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين. الاردن معنيّة بموضوع اللاجئين ومعنية بالقدس والمحافظة على مقدّساتها ومعنيّة بحدود الدولة الفلسطينية التي يمكن أن تلد يوما وبأمن الحدود بين المملكة الهاشمية وهذه الدولة، خصوصا أن اسرائيل تتطلع الى وجود عسكري في الاغوار.
في النهاية، تبحث الاردن عن حلول. هناك رغبة اردنية في تسهيل الحلول والتوصل الى اتفاق نهائي على أساس خيار الدولتين. مثل هذا الاتفاق يعني أوّل ما يعني قطع الطريق على خيار الوطن البديل الذي يوجد في اسرائيل من لا يزال ينادي به من منطلق أن الاردن هي الدولة الفلسطينية...
عندما يتعلّق الامر بمسائل مصيرية، لا يعود امام الاردن من خيار غير الذهاب بعيدا، أي الى النهاية، في الدفاع عن مصالحها العليا ومصالح الاردنيين، خصوصا أن أكثر من أربعين في المئة من سكّان المملكة من الفلسطينيين الذين نزحوا اليها على دفعات وبينهم من لا يزال في مخيمات للاجئين منذ العام 1948 أو 1967. فالاردن معنيّة بأيّ تسوية وتعمل من أجل تسوية حقيقية عادلة وترفض في الوقت ذاته أن تكون التسوية على حسابها في أيّ شكل.
ما يفعله الملك عبدالله الثاني يتمثّل في الدفاع عن الاردن ومصالح الاردنيين. لم تقتصر زيارته للولايات المتحدة على لقاء مع أوباما، بل شملت شخصيات أميركية والمسؤولين الكبار في الادارة والكونغرس. كذلك التقى ممثلي المجموعات العربية الفاعلة وممثلين عن المنظمات الاميركية اليهودية. وهذه المنظمات تمتلك نفوذا كبيرا داخل الولايات المتحدة نفسها وفي اسرائيل حيث توجد أصوات تهاجم بقوّة وزير الخارجية الاميركي والافكار التي يطرحها في شأن التسوية. وقد يكون بعض هذه الافكار، استنادا الى ما تسرّب حتى الآن، جيّدا ومعقولا الى حدّ ما.
ما مرّت به الاردن من تجارب في الماضي القريب، يجعل عبدالله الثاني قادرا على الدفاع عن المصالح العليا للمملكة. ولذلك ليس مطلوبا من الداخل الاردني أكثر من وضع حدّ للمزايدات والكلام المضحك- المبكي عن مشروع كيري. اذا كان هذا المشروع، الذي لم يعلن عنه لاسميا بعد، يتعارض ومصالح الاردن والفلسطينيين، سيكون حتما مرفوضا من عمّان.
لا حاجة الى خطابات رنانة ولا الى شعارات وتصرّفات من نوع تلك التي تذكّر بالسبعينات من القرن الماضي والتي ركّزت على رفض مشروع روجرز. من يتذكّر مشروع وليم روجرز، وزير الخارجية الاميركي وقتذاك، والذي قبل به جمال عبدالناصر قبيل وفاته وراح الفلسطينيون يهاجمونه عن طريق مسيرات صاخبة في شوارع عمّان؟
بعض الهدوء ضروري، حتى يصبح في الامكان القول إن قسما من الفلسطينيين ومعهم الاخوان المسلمون وبعض الشخصيات الاردنية التي اكتشفت الوطنية حديثا، تعلّموا شيئا من الماضي ومآسيه. فقد أثبتت التجارب أن الملك في الاردن يعرف تماما ما الذي يجب عمله وماذا ينفع الفلسطينيين والاردنيين وماذا يضرّهم. فالوقت ليس وقت المزايدات والشعارات الطنّانة والدعوة الى الجهاد. الوقت وقت التفكير في العمق في كيفية الافادة من طرح كيري، في حال رأى مشروعه النور يوما.
من يحتاج الى دروس في التاريخ، يستطيع العودة الى العام 1970. هل كان القبول بمشروع روجرز مصلحة عربية وفلسطينية أم لا؟ ماذ كانت نتيجة المزايدة على عبدالناصر نفسه في تلك المرحلة؟ الم يذهب الفلسطينيون الى كارثة جديدة في تاريخهم الذي لا تنقصه كوارث؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00