8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ليس على حساب الأردن

تسعى إسرائيل الى فرض أمر واقع يتمثّل في ضمّ جزء من الضفة الغربية، خصوصا محيط القدس الشرقية، وفرض هيمنتها الامنية على الحدود الاردنية الفلسطينية، خصوصا في الأغوار.
هذا يعني بكلّ بساطة انّها لا تريد السلام. لا تدري أنّ لكلّ شيء ثمنا. تكمن مشكلة إسرائيل في عدم استعدادها لدفع أيّ ثمن من أي نوع كان من أجل السلام، في وقت تنادي فيه بالاستقرار. من يسعى فعلا الى الاستقرار في المنطقة، يباشر الى الانتهاء من احتلال الضفة الغربية بدل اعتبارها أرضا متنازعا عليها. أوليس جوهر القرار 242 الذي تقوم عليه كلّ عملية السلام مبدأ الارض في مقابل السلام؟ يظهر أنّ إسرائيل أخذت من القرار مبدأ المفاوضات، أي المفاوضات من أجل المفاوضات ليس الاّ، ونسيت مبدأ السلام؟
يتحدّث المسؤولون الإسرائيليون في هذه الايّام عن كلّ شيء باستثاء الثمن. يريدون كلّ شيء، بما في ذلك الاعتراف بـيهودية دولة إسرائيل من دون تحديد النتائج المترتبة على ذلك ومن دون توفير الضمانات اللازمة للفسطينيين الذين صاروا مواطنين إسرائيليين بعد العام 1948، تاريخ قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين...وليس في أي مكان آخر.
يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان صادر قبل ايّام عن مكتبه أنه لا يريد دولة تضمّ قوميتين في إسرائيل، بل سلاما مستقرّا مع الجيران مضيفا أنه يرفض تكرار تجربة الانسحاب الإسرائيلي من غزة صيف 2005، بما يجعل عناصر معادية، مثل ايران تتحوّل جزءا من المشهد.
يتجاهل نتانياهو أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة كان من جانب واحد، أي من دون تنسيق مع الجانب الفلسطيني. كان الهدف منه الوصول الى ما وصلت اليه الحال في القطاع، أي ايجاد ذريعة، اسمها تصرّفات حماس بما يبرّر رفض دخول مفاوضات جدّية في شأن الدولة الفلسطينية المستقلّة ومستقبل الضفة الغربية والقدس ومتابعة سياسة الاستيطان...
يبدو الكلام الصادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي في شأن رفض القوميتين في دولة واحدة منطقيا... أقلّه ظاهرا. لكنّ الكلام المنمّق وحده لا يكفي، حتى لو امتلك صاحبه القوة التدميرية الكافية للقضاء على كلّ جيرانه. كلّ ما هو مطلوب أن يقتنع به نتانياهو، الذي يخوض مفاوضات صعبة مع الجانب الفلسطيني، أنّ هناك ثمنا لا بدّ من دفعه في حال كان يريد بالفعل السلام، خصوصا أن جيرانه الفلسطينيين على استعداد للذهاب الى النهاية في المفاوضات والتوصل الى تسوية معقولة ومقبولة، حتى لو كانت دولتهم لا تقوم سوى على ثمانية وعشرين في المئة من ارض فلسطين، بالمعنى التاريخي للكلمة.
لدى اسرئيل تجربتان مع جارين عربيين. الجار الاوّل هو مصر. صمدت معاهدة السلام مع مصر الموقعة في مارس 1979، أي على الرغم من مرور خمسة وثلاثين عاما عليها. لا مشاكل تذكر مع مصر.
أمّا الجار الآخر فهو الاردن. في اكتوبر المقبل، ستمرّ عشرون سنة على اتفاق السلام الاردني- الفلسطيني الموقّع في وادي عربة. أين المشكلة مع الاردن التي ضمنت حقوقها في الارض والمياه ورسمت حدود الدولة الفلسطينية المفترضة التي يسعى نتانياهو الى منع قيامها؟
هناك جهود يبذلها وزير الخارجية الاميركي جون كيري من أجل التوصل الى تسوية فلسطينية- إسرائيلية. بدأ كيري، الذي نجح في معاودة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، يستوعب أن السلام لا يمكن أن يكون على حساب الفلسطينيين وما بقي من الارض الفلسطينية.
هناك واقع يفترض بإسرائيل القبول به في حال كانت تريد بالفعل سلاما مع الفلسطينيين على غرار السلام مع مصر والاردن، وذلك بغض النظر عن الوضع غير الطبيعي السائد في قطاع غزّة.
يتمثّل هذا الواقع في أن الفلسطينيين يمثلون شعبا يسعى الى الحصول على حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرّف المعترف بها من الامم المتحدة. أكثر من ذلك، لا يمكن لإسرائيل تحقيق أي تقدّم في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني في حال كانت تعتقد أن المملكة الاردنية الهاشمية يمكن ان تتخلى عن أي حقّ من حقوقها في أي منطقة اردنية، خصوصا في الاغوار.
للمملكة الاردنية الهاشمية مصلحة في المساعدة في التوصل الى صيغة تسوية فلسطينية- إسرائيلية وانّما ليس على حسابها. على العكس من ذلك، ان احترام الحقوق الاردنية يساهم في بناء الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا لشيء سوى لأنّ موقف المملكة في غاية الدقّة والوضوح اضافة الى استناده الى القانون الدولي.
هذا الموقف، الذي عبّر عنه الملك عبدالله الثاني الذي استقبل قبل أيّام نتانياهو في عمّان، مدروس بدقّة. انّه يقوم على أهمّية استغلال الوقت والبناء على الفرصة المتاحة من خلال الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الاميركي لتحقيق تقدّم ملموس في مفاوضات السلام وصولا الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة القابلة للحياة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، استنادا الى قرارات الشرعية الدولية وحلّ الدولتين ومبادرة السلام العربية والتي تعيش بأمن وسلام الى جانب إسرائيل.
لم يفت العاهل الاردني أيضا تذكير نتانياهو بأنّ المصالح الاردنية العليا، خصوصا تلك المتعلّقة بقضايا الوضع النهائي، تقع في قمّة أولوياتنا.
في النهاية، أتى نتانياهو الى عمّان أم لم يأت اليها، يظلّ السؤال البديهي: هل لدى إسرائيل رغبة في السلام، أم لديها رغبة في تكريس الاحتلال؟
على هامش هذا السؤال، هناك نقطة في غاية الاهمّية. مختصر هذه النقطة أنّه ليس منطقيا رفض نتانياهو أن تكون إسرائيل دولة ذات قوميتين وامتناعه في الوقت ذاته عن تقديم الثمن المطلوب من اجل التوصل الى تسوية على اساس حلّ الدولتين.
من رابع المستحيلات أن تكون إسرائيل تريد كلّ شيء من دون أن تقدّم شيئا ومن دون مراعاة، حتّى، لبلد مثل الاردن لم يتردد يوما في التزام كل حرف في اتفاق السلام الموقع في العام 1994!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00