ليس أسهل من وصف ارييل شارون بالإرهابي. كونه إرهابياً شيء والاحتفال بموته شيء آخر. من احتفل بموت شارون من الفلسطينيين، إنّما أراد التهرب من تحمّل مسؤولياته والاعتراف بأخطائه، بما في ذلك التقصير في مواجهة رجل كان مهووساً بخطر اسمه الشعب الفلسطيني.
كان لدى شارون فهمه الخاص لما يدور في المنطقة بعيداً عن أي شعور إنساني أو استيعاب للواقع المعقد السائد فيها.
لم يتورّع شارون عن القتل والتشجيع على ارتكاب مجازر في حقّ الشعب الفلسطيني. لم يكن لدى شارون سوى همّ واحد رافقه كلّ حياته. يتمثّل الهمّ الشاروني، بكلّ بساطة، في وجود الشعب الفلسطيني. كان لديه عقل تبسيطي ومتوحّش في آن. رفض الاعتراف بوجود هذا الشعب. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير عداءه لياسر عرفات الذي كان يجسّد الوجود الفلسطيني وحيوية هذا الشعب. كذلك كانت هذه الرؤية المبسطة، التي لا علاقة لها بالواقع، وراء مناداته بـالوطن البديل للفلسطينيين في الأردن.
سعى ارييل شارون باستمرار الى تكريس الاحتلال وطرد الفلسطينيين من أرضهم رافضاً الاعتراف بقرار التقسيم الذي أقام دولة لليهود وأخرى للفلسطينيين على أرض فلسطين.
كان ارييل شارون مجرماً بالفعل. أفضل دليل على ذلك مجزرة مخيّم صبرا وشاتيلا، القريب من بيروت، التي شجّع عليها عندما كان وزيراً للدفاع في العام 1982.
لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به أن الذين نفّذوا المجزرة كانوا لبنانيين ارتضوا القيام بهذا العمل المشين الذي يندى له الجبين لأسباب لم تتضح بعد وقد لا تتضّح يوماً. كان السبب الوحيد المعلن، الذي استُعين به لتبرير المجزرة، الانتقام لاغتيال الرئيس بشير الجميّل. معروف تماماً، وربّما أكثر من اللزوم، من اغتال بشير الجميّل في الرابع عشر من ايلول- سبتمبر 1982. اغتاله النظام السوري مستعيناً بعملاء محليين له.
لماذا، كان ذلك التواطؤ الإسرائيلي- السوري في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان والذي يصبّ في تحميل الفلسطينيين مسؤولية الجريمة التي استهدفت رئيساً منتخباً للجمهورية اللبنانية، وإن في ظروف خاصة؟
كلّ ما يمكن قوله إن منفّذي المجزرة أمنوا رعاية شارون لها، كما أصبحوا لاحقاً في حماية النظام السوري الذي استوعبهم وقدّم لهم كلّ الحمايات الممكنة وجعل من أحد منفّذيها وزيراً نافذاً. هل هذا ما يفسّر الظلم الذي تعرّضت له المخيمات الفلسطينية في لبنان، على يد تنظيم شيعي مسلّح معروف موالٍ كلّياً للنظام في سوريا، منتصف الثمانينات من القرن الماضي... وما يتعرّض له حالياً مخيم اليرموك القريب من دمشق؟
لا يمكن في أي شكل تجاهل الجانب الأهمّ من سيرة حياة ارييل شارون الذي رفض باستمرار الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وبوجود شعب فلسطيني يحقّ له إقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين. ما لا يمكن تجاهله أيضاً أن شارون كان حيواناً سياسياً عرف كيف يستغلّ كل الأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون وتوظيفها في مصلحة مشروع مستحيل عنوانه إسرائيل الكبرى.
كان شارون رجلاً واضحاً. كان يؤمن بأنّ في الإمكان التخلص من الشعب الفلسطيني. لم يفوّت فرصة إلاّ واستغلها من أجل تنفيذ مخططه الجهنمي. شارك في كلّ الحملات التي أدت الى تهجير الفلسطينيين من قراهم. عرف أن ترويع الفلسطينيين سيؤدي الى ذلك. شارك في كلّ الحروب. بعد ذلك، كان من مهندسي حرب لبنان في العام 1982. لم يقدم على الحرب إلا بعدما تأكّد أن الفلسطينيين ارتكبوا كلّ الأخطاء الممكنة في الوطن الصغير وأنّ أكثرية اللبنانيين تريد التخلّص من وجودهم المسلّح الذي استخدمه النظام السوري لفرض وصايته على البلد. عندما فشلت حربه اللبنانية، ترك اللبنانيين يتقاتلون في ما بينهم مكتفياً بالهدف الذي حققه والمتمثّل في توزيع المقاتلين الفلسطينيين على دول المنطقة، وصولاً الى اليمن...
في كلّ وقت من الأوقات، كان شارون يتكّل على الأخطاء الفلسطينية وعلى وجود نظام سوري لا همّ له سوى المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم. كان شارون سياسياً ماكراً. بقي في مزرعته سنوات طويلة، في شبه عزلة، بعد فشله في حرب لبنان وبعد انكشاف دوره في مجزرة صبرا وشاتيلا. لكنّه ما لبث أن عاد الى الأضواء بعدما استعان به بنيامين نتنياهو ليكون وزيراً للخارجية.
في مرحلة ما بعد عودته الى الأضواء ووصوله الى موقع رئيس الوزراء في شباط- فبراير 2001، استغلّ شارون كلّ الأخطاء الفلسطينية، كما ذهب الى النهاية في سعيه الى الانتقام من ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني. أدرك أن العالم تغيّر، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001. أدرك خصوصاً أن لا استيعاب فلسطينياً في العمق لهذا التغيير في ظلّ وجود إدارة أميركية على رأسها جورج بوش الابن جعل من الحرب على الإرهاب أولى أولوياته وتسبّب في 2003 بالزلزال العراقي الذي لا يزال يهزّ الشرق الأوسط الى يومنا هذا.
لا يمكن الاستخفاف بالمكر السياسي لشارون، وهو مكر جعله في السنوات الأخيرة من حياته يبتعد أكثر فأكثر عن السياسات ذات الطابع التبسيطي. الدليل على ذلك فهمه لتاثير العمليات الانتحارية التي نفّذتها حماس ومن لفّ لفها على المجتمع الإسرائيلي. ذهب الى أبعد الحدود في استغلال هذه العمليات التي لم يكن النظامان في سوريا وإيران بعيدين عنها.
توّج شارون حياته السياسية بالانسحاب الكامل من غزّة صيف 2005. كان رهانه على حماس في محلّه. قال دايف فايسغلاس مدير مكتب رئيس الوزراء وقتذاك صراحة إنّ الانسحاب من غزّة يستهدف الاحتفاظ بجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
لم تخيّب حماس آمال شارون. سارعت الى اتخاذ كل الخطوات التي تخدم سياسته القائمة على عدم وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. أكثر من ذلك، رسّخت حماس وهي فرع للإخوان المسلمين الشرخ الفلسطيني- الفلسطيني. لم تجد ما تعلّق به على وفاة ارييل شارون سوى قول أحد الناطقين باسمها إنّ الوفاة يوم تاريخي للشعب الفلسطيني. إنه بالفعل يوم تاريخي للذين لا يقرأون لا في التاريخ ولا في الجغرافيا... ويعتبرون السقوط في فخ ينصبه لهم أمثال شارون واجباً وطنياً!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.