من الواضح أنّ الحكم الجديد في مصر يواجه صعوبات وعراقيل كثيرة. ولكن من الواضح في الوقت ذاته أنّ هذا الحكم المنبثق من ثورة شعبية حقيقية انتزع مصر من الاخوان المسلمين الذين أرادوا استغلال صناديق الاقتراع من أجل الاستيلاء على مؤسسات الدولة المصرية وتحويلها الى مؤسسات خاضعة كلّياً للحزب الواحد الذي يعد نفسه بحكم مصر الى أبد الآبدين.
هناك بكلّ بساطة مؤسسة عسكرية مصرية قرّرت الانحياز الى الشعب المصري. لم تدافع هذه المؤسسة عن نظام حسني مبارك، علماً أنه نظام عسكري منبثق أصلاً منها. أخذت المؤسسة العسكرية موقفاً معارضاً للجوء الى القوّة والعنف في الأيام التي سبقت انتصار ثورة الخامس والعشرين من يناير. توصلت الى تفاهم مع المشاركين في تلك الثورة، بمن فيهم الاخوان، جنّب مصر الويلات والدماء.
تركت المؤسسة العسكرية الأحزاب والقوى السياسية تعمل وتتحرّك طوال سنتين ونصف سنة. تبيّن، في نهاية المطاف، أن الاخوان المسلمين خطفوا ثورة الخامس والعشرين من يناير. كانت كلّ الوعود التي أطلقوها طوال السنتين ونصف سنة مجرّد كلام جميل يستهدف توفير الغطاء الذي يسمح لهم بوضع اليد على مؤسسات الدولة.
الأهمّ من ذلك كلّه، أن الإخوان لم يطرحوا أيّ مشروع سياسي أو اجتماعي له معنى. كانت سنة واحدة من حكم الإخوان الذي يرمز اليه وجود محمد مرسي في رئاسة الجمهورية، أكثر من كافية كي يصبح البلد العربي الاهمّ على شفير الهاوية.
كان المشروع الإخواني الوحيد الذي طفا على السطح وظهر على حقيقته، يتمثّل في الاستيلاء على السلطة وتفريغ مصر من بقية المؤسسات العريقة التي ورثها العسكر عن النظام الملكي. كان على رأس هذه المؤسسات السلطة القضائية بكلّ ما تمثله من هيبة. إذا كان من إيجابيات تجمع بين جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، فإنّ الابتعاد، الى حدّ ما طبعاً، عن التدخّل في شؤون القضاء كان قاسماً مشتركاً بين العسكريين الثلاثة الذين حكموا مصر بين 1952 وآخر السنة 2010.
رفض الشعب المصري في أكثريته الساحقة حكم الاخوان. كشفت سنة واحدة من رئاسة محمد مرسي حقيقة الاخوان وعرّتهم، خصوصاً بعدما باشروا الانفتاح على إيران التي زار رئيسها وقتذاك، محمود أحمدي نجاد القاهرة وشرع أبواب مصر أمام استقبال سيّاح إيرانيين ليست معروفة وظيفتهم الحقيقية. هل هم سيّاح أو لديهم مهمّات من نوع آخر؟
في كلّ الاحوال، ظهر للمصريين أن بلدهم ذاهب الى الخراب وأن كلّ ما يقال عن نظام جديد أفضل من نظام حسني مبارك هراء بهراء. افتقد المصريون قبل كلّ شيء الامن. تنبّهوا الى أن المشروع الوحيد الذي لدى الاخوان كان مشروع غزّة... أو مشروع حزب الله في لبنان.
ليس لدى حزب الله من مشروع سوى تحويل لبنان الى تابع لايران وافقار اللبنانيين ونشر اليأس في البلد بكلّ الوسائل الممكنة، بما في ذلك الاغتيالات.
أمّا مشروع حماس، فيقوم أساساً على نشر البؤس والجهل في كلّ مكان وفي كلّ الأوساط بهدف تسهيل عملية قمع المواطن وتركيعه. مضى ما يزيد على سبع سنوات على استيلاء حماس، وهي النسخة الفلسطينية للاخوان المسلمين، على غزّة. ما النتيجة؟ هناك رغبة في تبرير كلّ التصرّفات الاسرائيلية التي تجعل الحصار الظالم المفروض على القطاع يستمرّ الى ما لا نهاية. يترافق ذلك مع رغبة في تصدير الارهاب الى مصر وجعل الفوضى تسود في سيناء. كلّ ذلك، من أجل البقاء في السلطة بغض النظر عن كلّ ما يتعرّض له المواطن العادي الذي نسي أنه كان هناك مطار شبه دولي في غزة ومعابر آمنة في مرحلة ما، لم يمرّ عليها الزمن بعد!
ما شهدته مصر في السنة 2013 يوفّر بعض الأمل. هناك أمل في نجاح شعب عربي في التصدي لادارة أميركية على رأسها باراك أوباما لا همّ لها سوى مسايرة إيران من جهة وحماية الامن الاسرائيلي من جهة أخرى. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير ذلك الاستقتال الاميركي في الدفاع عن الاخوان في مصر على الرغم من الثورة الشعبية التي شهدها البلد في الثلاثين من حزيران/ يونيو الماضي. لا تريد الادارة الاميركية رؤية المشهد المصري على حقيقته. ترفض الاعتراف بأنّ ملايين المصريين نزلوا الى الشارع في كلّ انحاء البلد للتعبير عن رفضهم للاخوان المسلمين ونظام الحزب الواحد.
أكثر من ذلك، ترفض الادارة الاميركية الاعتراف بأنّ الاخوان لجأوا الى العنف وشجّعوا عليه من خلال التعاون القائم بينهم وبين حماس.
ما يمكن أن يدعو الى التفاؤل أن الشعب المصري يعرف ماذا يريد. يريد التصدّي للاخوان وللعنف الذي يمارسونه. لن تكون مهمّة الحكم الجديد سهلة. ولكن بما ان لكلّ شيء بداية، كان لا بدّ للمؤسسة العسكرية من دعم الشعب المصري. انها مجرّد بداية. ما تحتاجه مصر قبل كلّ شيء هو الى الامن ثم الى الرغيف. وبعد ذلك، يمكن التفكير في كيفية اعادة احياء الاقتصاد وانعاش حركة السياحة التي تعرّضت لنكسة.
كذلك، ما يمكن ان يدعو الى التفاؤل أن العرب لم يتخلّوا عن مصر في الظروف الصعبة التي واجهتها. بادرت دولة الامارات العربية المتحدة الى دعمها فور انتزاع الشعب المصري البلد من براثن الاخوان المسلمين. تلا ذلك دعم سعودي سخيّ ثم دعم كويتي كبير.
لم يقصّر العرب مع مصر. زارها كبار المسؤولين في الامارات، على رأس هؤلاء الشيخ محمّد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي، كذلك زار القاهرة مسؤولون سعوديون في غاية الاهمّية ورجل شجاع اسمه الملك عبدالله الثاني لم يقصّر يوماً في دعم الشعب المصري على الرغم من أنّ الاردن بلد فقير ويواجه بدوره صعوبات وتعقيدات.
نعم، هناك أمل لمصر. هذا الأمل يعني بكلّ بساطة أن في الامكان التفكير في عودة بعض التوازن الى منطقة الشرق الاوسط من منطلق أن هناك مشروعاً آخر لمصر غير مشروع حماس في غزة وحزب الله في لبنان!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.