لم تكن 2013 سنة السلبيات فقط. لم تكن كلّها سلبيات على الرغم من أن النظام السوري لم يسقط رسميا في حين انه سقط عمليا. هل من مجنون يتصوّر أن بشّار الاسد يمكن أن يعود حاكما لسوريا، باستثاء بشّار الاسد نفسه، أو الذين يستخدمونه من أجل تفتيت الكيان السوري؟.
أكّدت 2013 أن هناك بين العرب من لا يزال يقاوم، حتى عندما تكون هناك سياسة أميركية لا تأخذ في الاعتبار سوى حماية الامن الاسرائيلي، أكان ذلك عبر التخلي عن الشعب السوري في ثورته الوطنية من أجل استعادة كرامته، أو عندما يتعلّق الامر بايران ومشروعها الاقليمي الذي يهدّد المجتمعات العربية في العمق.
ما كشفته السنة 2013 أن هناك رغبة أميركية في اطالة الحرب الدائرة في سوريا، وهي حرب يشنّها نظام على شعبه بدعم ايراني وروسي، من أجل الانتهاء من سوريا التي عرفناها. لو لم يكن الامر كذلك، كيف يمكن تفسير الصفقة الروسية ـ الاميركية التي حالت دون توجيه ضربة نهائية الى النظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيميائي ضد المدنيين في آب- الماضي؟.
لم يعد سرّا ان الكيان السوري صار هدفا. بات مطلوبا الانتهاء من هذا الكيان الذي خلق منذ نشوئه الأزمة تلو الأخرى على الصعيد الاقليمي. كانت هناك باستمرار أزمة نظام في سوريا. ولكن مع الوقت، تبيّن ان الازمة هي أزمة كيان أكثر من أي شيء آخر. انّها أزمة نظام وكيان في الوقت ذاته.
جعلت أزمة الكيان النظام السوري، أي نظام سوري في حال هرب مستمرّة الى امام. هرب النظام السوري الى الانقلابات العسكرية ابتداء من السنة 1949، ثم الى الوحدة مع مصر في 1958، ثمّ الى الانقلاب العسكري مجددا من أجل الانتهاء من الوحدة المصطنعة.
بعد ذلك كانت عودة الى الانقلابات والى الاشتراكية العشوائية التي هجرت خيرة السوريين من سوريا. كان الغطاء، حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي استخدمه الضباط العلويون من اجل اقامة نظام طائفي في سوريا وصولا الى نظام العائلة ابتداء من السنة 2000 عندما ورث بشّار الاسد ما يمكن وصفه بلعبة اسمها سوريا. لم يتعاط بشّار مع سوريا الا بصفة كونها لعبة. ظنّ ولا يزال يظنّ انّها لعبة بين يديه!
هرب هذا النظام الى لبنان. استخدم من أجل ضرب الصيغة اللبنانية كلّ ما يستطيع بدءا بتغذية النعرات الطائفية وتسليح الميليشيات الطائفية فضلا عن التنظيمات الفلسطينية المختلفة، طبعا. هرب الى المتاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين وهرب دائما ابتداء من العام 1979، لدى حصول التغيير في ايران، الى حلف الاقلّيات الذي أوصله الى ما وصل اليه في هذه الايام من منطلق مذهبي بحت.
قرّر الشعب السوري انتزاع اللعبة من الطفل وجعل سوريا بلدا طبيعيا. ولكن وُجد من يصرّ على ابقاء اللعبة في يد بشّار الاسد. وجد عمليا من لا همّ له سوى العمل من أجل اطالة الحرب السورية التي ستدخل في آذار من السنة 2014 عامها الرابع ولكن من دون أن يكون هناك ما يشير الى أي مخرج من أي نوع كان في الافق، باستثناء العمل على تفكيك الكيان ونشر الفوضى في المنطقة بغية اعادة رسم خرائط الدول. يأتي ذلك في ظل الخلل الذي طرأ على التوازن الاقليمي ابتداء من السنة 2003 تاريخ الغزو الاميركي للعراق. هذا الغزو الذي لم يخرج منه سوى منتصر واحد هو ايران.
كشفت الحرب السورية أن المنطقة كلّها في حال غليان وأن النظام الاقليمي الذي قام في العشرينات في مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية لم يعد قائما. انهار أحد أعمدة هذا النظام الاقليمي عندما غزت الولايات المتحدة العراق ومهّدت لاقامة نظام جديد من منطلق طائفي ومذهبي. زرعت بذور تقسيم العراق ووضعت البلد، العربي سابقا، الذي عانى طويلا من النظام العائلي- البعثي الذي أقامه صدّام حسين، تحت الهيمنة الايرانية.
كانت السنة 2013 سنة مفصلية في مجال بدء تظهير الصورة التي يمكن أن يكون عليها الشرق الاوسط مستقبلا. هناك حروب من نوع جديد في المنطقة. في أساس هذه الحرب النزاعات ذات الطابع المذهبي. أخطر ما في الامر أن القوّة العظمى الوحيدة في العالم، أي الولايات المتحدة الاميركية، تخلّت عن دورها. صارت هذه القوة تختزل الازمة السورية بالسلاح الكيميائي الذي تخلّى عنه بشّار الاسد وبات في استطاعته قتل شعبه بكلّ الوسائل الاخرى. هناك قتل حلال وقتل حرام. حتّى ذبح الانسان السوري صار في المفهوم الاميركي حلالا لمجرّد تخلي النظام السوري عن سلاحه الكيميائي!.
كذلك، اختزلت أميركا أزمتها مع ايران بالملف النووي. لم تعد هناك من مشكلة في السياسة التوسعية لطهران القائمة على اثارة الغرائز المذهبية. المهمّ أن تكون اسرائيل مطمئنة. هذه السياسة الاميركية تفسّر الى حدّ كبير الموقف العربي المتحفّظ عموما عن الاتفاق الذي توصلت اليه طهران مع مجموعة 5+1 في جنيف. وهو اتفاق لا يضمن بأي شكل عودة ايران دولة طبيعية تعيش بأمان وسلام مع جيرانها بدل الاستثمار في تجييش الغرائز المذهبية في دول الخليج، على رأسها البحرين وفي لبنان والعراق وسوريا واليمن.
كانت السنة 2013 سنة سيئة عربيا. هناك دول عدة مهددة بالتحول الى دول فاشلة. من بين هذه الدول ليبيا وتونس واليمن. ليبيا باتت في الواقع مقسّمة الى كيانات عدة، مسألة اعلان ذلك رسميا، مسألة وقت ليس الاّ. أما تونس فهي مقبلة على الافلاس في ظلّ الغياب التام للقيادة القادرة على اعادة اطلاق العجلة الاقتصادية بدل التركيز على كيفية تغيير طبيعة المجتمع التونسي المنفتح...نحو الاسوأ طبعا.
أما اليمن فهو في وضع لا يحسد عليه بعدما تعطّلت لغة الكلام وتعمّقت الخلافات داخل الشمال نفسه بفضل التدخل الايراني، وبين الشمال والجنوب وبين الجنوبيين انفسهم. يحصل كلّ ذلك في بلد فقير يعاني سكانه من الجوع والبطالة والتخلف... ومن أزمة مياه وصعود للمتطرفين الذين باتوا يجدون فيه ملجأ آمنا.
ما كشفته السنة 2013 أيضا أن بلدا مثل السودان لم يجد حلا لمشاكله المستعصية على الرغم من أنه صار دولتين مستقلتين. أظهرت تجربة السودان أن تقسيم بلد كبير الى دولتين ليس كافيا. ثمة حاجة الى ما هو أكثر من ذلك في غياب من يستطيع اعادة ترميم السلطة السياسية وما بقي من المؤسسات التي خلفها الاستعمار البريطاني!.
في الامكان الاسترسال طويلا في السلبيات العربية لو لم تكن هناك بعض الايجابيات التي توفّر بصيص أمل. في مقدّم هذه الايجابيات ما شهدته مصر التي ثار شعبها يوم الثلاثين من حزيران وانتزع البلد من براثن الاخوان المسلمين الذين لم يكن لديهم أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. كانت لديهم فقط تجربة قطاع غزّة البائسة بكلّ المقاييس والتي ارادوا نقلها الى مصر. ما حدث في مصر ليس مجرّد حدث مصري. ما حدث في مصر يمكن أن يساهم في اعادة بعض التوازن على الصعيد الاقليمي. من هذا المنطلق، كان الرهان العربي على مصر في محلّه.
تكمن أهمّية الحدث المصري في أن مجموعة من العرب تتقدمها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والكويت قرّرت مساعدة الشعب المصري، الذي انتصرت له المؤسسة العسكرية، بغض النظر عمّا تفكّر فيه الادارة الاميركية. كان دعم مصر الذي شاركت فيه المملكة الاردنية الهاشمية خطوة في غاية الشجاعة، وأوّل دليل على أن في استطاعة العرب أن يفكروا في مصلحتهم بمعزل عما تفكّر فيه ادارة أميركية يبدو همها محصورا في كيفية مساعدة الاخوان المسلمين في تدمير مؤسسات الدولة المصرية الواحدة تلو الأخرى.
تبدو السنة 2014 أقرب ما تكون الى سنة الرهان على مصر التي تحتاج الى مساعدات كبيرة، لكنها تحتاج أوّل ما تحتاج الى شخصية قويّة، تمتلك فكرا مستنيرا، تعرف ماذا تريد وتعرف خصوصا أنّ ما هو على المحكّ ليس مصير مصر وحدها بل مصير المنطقة كلّها أيضا. ستظهر السنة 2014 هل الرهان على مصر في محلّه، لا لشيء سوى لأن الوضع في المنطقة لا يمكن أن يستقيم في حال استمرّ الغياب المصري.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.