انعقد مؤتمر جنيف-2 ، أم لم ينعقد، يفترض في كلّ معني بالازمة السورية وبالحرب التي يشنّها نظام فئوي على شعبه ألا تكون لديه أية اوهام في شأن الموقف الروسي. لم يتغيّر شيء في موسكو ولن يتغيّر شيء منذ كانت هذه المدينة عاصمة الاتحاد السوفياتي وقبل ذلك عاصمة روسيا القيصرية. هناك من يراهن على امكان حصول تغيير روسي في وقت لم يظهر على الارض أي دليل ملموس على ذلك، أقلّه الى الآن.
حتّى إشعار آخر، وفي انتظار صدور ما يشير الى أن روسيا باتت قادرة على استيعاب أنّ لا مفرّ من تغيير جذري في سوريا، ليس لدى موسكو أيّ همّ آخر غير همّ المساهمة في تفتيت سوريا ككيان والانتهاء منها بشكلها الحالي.
لو لم يكن الأمر على هذا النحو، لما صدرت عن المسؤولين الروس تصريحات متناقضة بالنسبة الى مستقبل بشّار الاسد. بشّار الاسد انتهى منذ فترة طويلة، منذ لم يجد ما يردّ به على أطفال درعا سوى التهديدات والتعذيب. بشّار الأسد انتهى، قبل ذلك بكثير، أي قبل العام 2011 عندما اندلعت الثورة السورية. انتهى الاسد الابن في اليوم الذي لم يستطع فيه ضبط غرائزه البدائية وشارك بطريقة أو بأخرى في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط/فبراير 2005... وفي الاغتيالات الاخرى.
كلّ ما يستطيع الجانب الروسي عمله حالياً يتمثّل في دعم إيران التي تعتبر أن بقاء نظام الاسد مسألة حياة أو موت بالنسبة اليها. لا يوجد في موسكو من يمتلك شجاعة طرح سؤال في غاية البساطة. هذا السؤال هو الآتي: كيف يمكن للنظام القائم حكم سوريا مستقبلاً. هل يمكن لحاكم رسم علامة النصر وهو واقف على جماجم السوريين وجثث الاطفال؟
كان الخطاب الاخير للامين العام لـحزب الله، وهو كناية عن ميليشيا مذهبية عناصرها لبنانية ولكن تابعة لايران، مفيداً. تكمن فائدة الخطاب الذي، ألقاه نصر الله قبل أيام قليلة، في تأكيده أن التدخل الايراني في الحرب التي يشنها النظام السوري على السوريين قضيّة وجود. انها قضية وجود لحزب لا وجود له خارج كونه تابعاً لايران، وقضية وجود لنظام ايراني يسعى الى المتاجرة بكل ما تقع يده عليه.
وأخيراً، انّها قضية وجود لروسيا التي تعتقد أنّ خروجها من سوريا خروج من كلّ المنطقة العربية. لم تستطع روسيا استيعاب أن في استطاعتها لعب دور ايجابي في المنطقة والمشاركة في مكافحة الارهاب بعيداً من عقدة الدولة العظمى القادرة على جعل دول أخرى تدور في فلكها.
يتبيّن يومياً أن السياسة الروسية في سوريا أسيرة السياسة الايرانية. هناك رهان روسي على أن النظام القائم في سوريا لا يمكن الا أن يظلّ في نهاية المطاف مسيطراً على جزء من الاراضي السورية، ربّما على مساحة نحو أربعين في المئة من الاراضي السورية. ولذلك، لا تجد موسكو عيباً في الاستفادة من التخاذل الاميركي في دعم الشعب السوري وفي توفير كلّ وسائل القتل للنظام السوري.
هل الرهان الروسي على النظام السوري في محلّه؟
إنه في الواقع رهان على انتصار ايراني في سوريا. انّه رهان على المستحيل. لا يمكن لايران الانتصار في سوريا لسبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في أن أكثرية الشعب السوري ضدّ ايران وما تمثّله، حتى لو كانت مسيطرة على العراق، المجاور لسوريا، ومتحكّمة بالقرار السياسي فيه من منطلق مذهبي لا أكثر ولا أقلّ.
هذا كلّ ما في الامر. معنى ذلك، أي معنى الرهان الروسي على بشّار الاسد، أن كل ما تسعى اليه موسكو هو تفتيت سوريا. ليس لدى بشّار الاسد من مهمّة في المدى المنظور سوى تدمير سوريا التي عرفناها. في أكثر السيناريوات تفاؤلاً بالنسبة الى النظام السوري، يمكن للنظام الابقاء على منطقة معيّنة تحت سيطرته. حسناً، لنفترض أنه استطاع السيطرة على تلك المنطقة، بما في ذلك على جزء من الساحل السوري. الى متى يمكن أن يستمرّ ذلك؟
سبق للاتحاد السوفياتي أن سيطر على دول عدّة. حكم، بالواسطة، كلاً من بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا وهنغاريا وألمانيا الشرقية ودول البلطيق الثلاث. كذلك، حكم ما كان يسمّى اليمن الجنوبية. وحكم أثيوبيا، في عهد منغيستو هايلي مريام. قبل ذلك، حكم الصومال في عهد محمّد سياد بري قبل أن ينقلب عليه ويجعل بلده قاعدة أميركية.
ما مصير كلّ هذه الانظمة؟ لماذا لم يستطع أي من هذه الأنظمة البقاء؟
الجواب أن العقم الذي تعاني منه السياسة الروسية فريد من نوعه. لم يتعلّم النظام الروسي القائم من تجربة الاتحاد السوفياتي والاسباب الموضوعية، بالمنطق الماركسي، التي أدّت الى انهيار القوّة العظمى الثانية في العالم. لم يستفد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتّى، من دروس المغامرة السوفياتية في أفغانستان... التي كانت فيتنام الاتحاد السوفياتي.
وضع الروسي كلّ أوراقه السورية في الجيب الايراني. غداً، سيتصالح الايراني مع الشيطان الاكبر في ظلّ معادلة لن تفيد موسكو في شيء. سيحاول النظام الايراني الاحتفاظ ببعض النفوذ في سوريا مستخدماً أداته اللبنانية المسمّاة حزب الله. أين المصلحة الروسية في ذلك؟ هل من جواب منطقي غير أن الروسي، وقبله السوفياتي، أخذاً على عاتقهما توريط كلّ دولة عربية في مشاريع لا تخدم سوى اسرائيل. في النهاية، ماذا استطاعت موسكو أن تقدّم للفسطينيين في يوم من الايّام؟ من ورّط جمال عبدالناصر في حرب 1967، بل شجّعه عليها، ولم يحذّره مسبقاً من النتائج؟
عاجلاً أو آجلاً، سيتبيّن هل في الإمكان عمل شيء من أجل إعادة موسكو الى التفكير المنطقي، أي الى ابتعاد روسيا عن نظام البراميل المتفجّرة. هل هذا ممكن؟ هل يمكن أن تصير روسيا يوماً دولة طبيعية؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.