8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

كيف ستوظّف إيران النقاط التي سجّلتها؟

الاكيد أن هناك صفقة. ما ليس أكيداً أنها صفقة العصر، على حدّ تعبير بعض السياسيين اللبنانيين من الذين يميلون الى التضخيم بحثاً عن انتصارات وهمية على لبنان واللبنانيين.
هؤلاء السياسيون يعتقدون أن لا عيب في ان يكون بلدهم تابعاً لايران من منطلق مذهبي بحت. أكثر من ذلك، لا يريد هؤلاء أخذ العلم بأن ما توصلّت اليه ايران مع المجتمع الدولي ليس سوى بداية. الثابت، أن هناك نقاطا ايجابية سجّلتها ايران ولكن هناك أيضا كمّية لا بأس بها من النقاط السلبية التي جعلت النظام الايراني مكشوفاً أكثر من أي وقت.
في مقابل القيود التي باتت تكبّل برنامجها النووي الذي كلّف، الى الآن، الكثير من المليارات (نحو مئة وعشرين مليار دولار)، ستحصل ايران على بضعة مليارات من ارصدتها المجمّدة التي ستتيح لها من دون شكّ تنفيس الاحتقان الداخلي الذي بات يعبّر عن نفسه، بين حين وآخر، بطرق مختلفة. كان انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية أخيراً أحد التعبيرات عن هذا الاحتقان.
اضافة الى ذلك، نجحت ايران في تفادي ضربة عسكرية كانت آتية يوماً. ولا شكّ أن تفادي هذه الضربة أمر في غاية الاهمّية بالنسبة الى بلد يبني استراتجيته على التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد العربي أو ذاك من دون حسيب أو رقيب، كما يحصل في لبنان يومياً.
كم من المليارات كلّف البرنامج النووي ايران ولماذا كان هناك مثل هذا البرنامج الذي انتهى بالطريقة التي انتهى بها، أي تحت الرقابة الدولية التي باتت تستطيع، عبر المفتّشين، دخول المنشآت التي تريدها ساعة تشاء!
حسناً، حققت ايران ما تريد تحقيقه، اي استعادت بعض ارصدتها المجمّدة في الغرب. لكنها أثبتت في الوقت نفسه أن ليس في استطاعتها لعب الدور الذي تحلم بلعبه على الصعيد الاقليمي. أثبتت أنها تستطيع التخريب، لكنّها لا تستطيع البناء. عندما تخرّب ايران في المنطقة معتمدة على اثارة الغرائز المذهبية، فانّها تخدم اسرائيل ولا أحد آخر غير اسرائيل. ليس هناك مستفيد من السياسة الايرانية في المنطقة أكثر من اسرائيل التي لم تحلم يوماً بأنّ تبلغ الانقسامات المذهبية الدرجة التي بلغتها أكان ذلك في سوريا أو العراق أو لبنان أو اليمن أو البحرين...
في سياق الصفقة الاميركية- الايرانية، يصحّ التساؤل هل في استطاعة ايران أن تصبح دولة طبيعية؟ بكلام أوضح هل ستستفيد من الصفقة لتوظيف المليارات التي ستحصل عليها من أجل الاهتمام بايران والايرانيين، أي ببلد نسبة اربعين في المئة من سكّانه تحت خطّ الفقر؟ أم أن ايران ستعتبر أنّ ابتلاع سمّ الصفقة مع الشيطان الاكبر فرصة تسمح بمتابعة سياستها الهادفة الى اثارة الغرائز المذهبية في الشرق الاوسط وتفتيت دوله العربية من داخل، على غرار ما حصل في العراق ولا يزال يحصل في سوريا ولبنان؟
الخيار الايراني واضح. انّه بين التصرّف كدولة من دول المنطقة تمتلك ثروات كبيرة توظّفها في خدمة شعبها ذي الحضارة القديمة، وبين دولة تعتبر أنّ لديها مشروعاً اقليمياً تستطيع من خلاله تقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة واسرائيل على حساب كلّ ما هو عربيّ في الشرق الاوسط والخليج؟
ستظهر الايّام ما اذا كانت ايران قادرة على استعادة رشدها. نعم، هناك صفقة تمّت. في أساس الصفقة رغبة ادارة باراك أوباما في تفادي خوض أي حرب جديدة في المنطقة. هناك أميركا جديدة، على أهل المنطقة التعاطي معها بحذر. هل تذهب هذه الادارة الى حدّ الاعتراف بأنّ ايران قوة اقليمية عظمى تسيطر على العراق وسوريا ولبنان وتتدخل في اليمن وتقيم الدنيا وتقعدها ساعة تشاء في البحرين...أم أن كل المطلوب ان تنصرف ايران الى الاهتمام بفقراء البلد الذين لا يعانون من الفقر فحسب، بل من الانتشار الواسع للمخدّرات أيضا؟
المسألة مسألة وقت فقط. سندرك بعدها هل تستطيع ايران البناء على الصفقة، أم ان الصفقة هدية مسمومة لا أكثر. اي انها دعوة الى المزيد من التورط في مجال التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة العربية أو تلك بتشجيع أميركي وقبول بأن العراق صار منطقة نفوذ لـالجمهورية الاسلامية؟
يكفي ما فعلته ايران بلبنان للتأكد من أنّ كل سياساتها كانت مبنية على باطل. سيكون لبنان، حيث لا مجال لتشكيل حكومة بسبب ميليشيا مذهبية مسلّحة تابعة مباشرة لايران اسمها حزب الله، امتحاناً لايران ما بعد الصفقة. سيكون لبنان، كعادته، حقل اختبار للصفقة. سيكشف لبنان الذي يعاني من التدخل الايراني المباشر ما اذا كان في استطاعة هذا النظام، الذي قبل التعاطي مع الشيطان الاكبر من فوق الطاولة ومع الشيطان الاصغر من تحتها، القيام بمساهمة ايجابية على الصعيد الاقليمي أو على الصعيد الداخلي.
سيتبيّن قريباً، هل الصفقة الايرانية- الاميركية تندرج في عملية الهروب المستمرّة الى أمام أم أنها مؤشر الى أن القيادة الايرانية لن تعود قادرة على ممارسة هذه اللعبة الى ما لا نهاية.
الاكيد أن سوريا ستكون في المدى المتوسط المكان الذي سيكشف مدى جدّية النيّات الايرانية. هل ستتمسّك ايران بالنظام الفئوي في سوريا من منطلق مذهبي بحت...أم تدع الشعب السوري يقرّر مصيره بنفسه؟
ولكن في المدى المباشر، ليس من مكان تظهر فيه ايران أنها تغيّرت سوى لبنان حيث تمارس لعبة تصبّ في تدمير الوطن الصغير.
ما الفائدة من تدمير المؤسسات اللبنانية وما الذي يمكن أن تستفيد منه ايران اذا تابع حزب الله، الذي ليس سوى لواء في الحرس الثوري، عملية وضع يده على البلد، وصولاً الى الجامعة اليسوعية في بيروت التي هي مؤسسة خاصة في خدمة كلّ اللبنانيين؟
من المبكر اعطاء رأي في الصفقة الايرانية- الاميركية. كلّ ما يمكن قوله إن ايران التي كشفت كم هي ضعيفة أمام المجتمع الدولي سجّلت نقاطاً بفضل ادارة أميركية لا همّ لها سوى طمأنة اسرائيل.
هل تستخدم ايران هذه النقاط بشكل ايجابي، أي في خدمة شعبها والاستقرار الاقليمي، أم ستوظّفها في مغامرات جديدة، يشكّل التورط في دعم النظام السوري الذي يذبح شعبه أفضل تعبير عنها؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00