راشد فايد - النهار
تاريخ لبنان هو تاريخ صراع الطوائف الكبرى على "إمرة" الدولة اللبنانية، وكلما استولدت تسوية بين المتناحرين الأبرز، كان الأضعف بينهم، أو طرف خارجهم، يتحين الفرصة للإنقضاض، وتولي القيادة.
لم يكن مرة في مخطط الطائفة المنقضة رغبة في احتكار القرار الدولتي، مرة من باب الحكمة ومرات من باب العجز. ففي العام 1943، وبحنكة الإنتداب الفرنسي، أَخذ العمق العربي للبنانيين السنّة في الإعتبار، فكانوا في المرتبة الثانية من السلطة التنفيذية، وولد لبنان الإستقلال "ذا وجه عربي". ويوم انقسم العالم العربي تجاه المقاومة الفلسطينية كان أغلب المسلمين عموما، والسنّة منهم خصوصا، إلى جانب "الحرب الشعبية" لتحرير فلسطين، بعد هزيمة 1967، بدل حرب الجيوش النظامية، فكيف وهي تعضد في لبنان سعيهم إلى أن يكونوا المتقدمين فيه على مسيحييه، حتى أوحى الأمرأنهم يسيرون على خطين، داخلي يتطلب إرغام الشركاءعلى التخلي عن بعض الإحتكارات الدولتية، وإقليمي عنوانه نصرة الشعب الفلسطيني، الذي لم تقصر مجموعات المسلّحة في تهشيم مؤسسات الدولة كورقة مساومة لتحرير فلسطين.
استقرت الأمور على ما أرساه "اتفاق الطائف"، ووجد السنة أنفسهم شركاء جديين في "إمرة" لبنان، بعدما غيبتهم الوصاية السورية عن أي دور تقريري، وعقدت اتفاقات لوقف الحرب الداخلية، بلا دور لهم بحجتين: أن دمشق تمثلهم، وأن لا ميليشيا لديهم، فكانت اتفاقات وقف تبادل النار تعقد بين القيادات المقاتلة الشيعية والمارونية والدرزية.
لم يطبق "اتفاق الطائف" بصيغة إقراره، وطوعه النظام السوري بما يمرر أغراضه، وعنوانها السيطرة على لبنان، وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، وخروج الجيش السوري في 26 نيسان من السنة نفسها، سعى "حزب الله" إلى وراثته دورا وهيمنة، وباتت بيضة القبان في الوضع الداخلي ايرانية لا تمارى، وبات تحالف الأقليات أكثر وضوحا مع عودة الجنرال، وانفضاح طموحات الصهر، وشهيته غير المحدودة، التي تزينها انتهازية بلا ضوابط ، وعداوات بلا كوابح، فهو يريد أن يثبت أنه أكثر مارونية من بشير الجميل، فهو لن يصفي خصومه بالسلاح، بل بالاجهاض السياسي والتطويق في الإدارات العامة، وهو يدري، ولا يمكن أن يجهل، أن طموحه الرئاسي بند صغير في أجاندة حليفه وأن قرار هذا الحليف عند ايران التي لها باع في البيع والشراء السياسي مع واشنطن وغيرها في شؤون المنطقة، منذ زمن الخميني المؤسس، وعلى حساب لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان، علما أن لا مصالح للحزب خارج السياق الايراني.
يبدو الزمن الراهن الذي يرسمه "فيروس كورونا"، والأزمة النقدية والجوع المستفحل، غطاءا مناسبا يعول عليه أرباب الحكومة الحقيقيين، أي الحزب، لقفزة أخيرة نحو تعديل الميثاقية اللبنانية التي أرساها اتفاق الطائف، وتحقيق المثالثة، أو ثنائية جديدة برأس واحد في عرض قوة شهدنا عينات منه في وجه بدايات الإنتفاضة، ستجدد قريبا بحجة حماية العهد من السقوط، وبزعم حماية لبنان، تبدأ بعزف "شيعة...شيعة" ولا تنتهي بـ"الله. خامنئي. نصرالله.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.