8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا تتجاهل أميركا عنف الإخوان؟

تقف مصر عند مفترق طرق. هل لا يزال في الإمكان انقاذ مصر؟ تصعب الاجابة عن هذا السؤال الذي يتناول مستقبل البلد العربي الاهمّ. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ ما يشهده البلد منذ ما يزيد على شهر ونصف شهر يؤكد أن هناك محاولة جدّية لمنع مصر من السقوط نهائيا.
ما جرى في الرابع عشر من آب 2013 كان حدثا تاريخيا بكلّ معنى الكلمة. استفاقت الدولة المصرية من سباتها وقررت استعادة المبادرة. كان لا بدّ من تحرّك ما لتأكيد أنّه لا يزال هناك من يسعى الى انقاذ مصر ومنع تحوّلها الى غزة أخرى.
الاكيد أن ليس في الامكان تبرير العنف وسقوط ضحايا بأي شكل من الاشكال. لكنّ اللافت أن هناك من يريد تجاهل أن الأخوان المسلمين كانوا وراء افتعال العنف من أجل توفير الصور التي احتاجتها وسائل الاعلام الغربية لشن حملة على القوات المسلحة والاجهزة الامنية المصرية. وقعت وسائل الاعلام هذه في الفخّ الذي نصبه لها الأخوان وذلك من حيث تدري أو لا تدري. وربّما كانت تدري نظرا الى أنّها رفضت أن تأخذ في الاعتبار أن هناك من بادر الى اطلاق النار على رجال الشرطة والجنود الذين ارادوا الانتهاء من الاعتصام غير السلمي للأخوان في رابعة العدوية ومناطق اخرى من القاهرة.
ما لم يفهمه الاوروبيون، في معظمهم، والادارة الاميركية خصوصا، أنّ المؤسسة العسكرية كانت شريكا في عملية ازاحة النظام الذي كان حسني مبارك على رأسه. لعبت المؤسسة العسكرية الدور الحاسم في التخلص من نظام يشبه الى حدّ كبير ذلك الذي كان سائدا في الاتحاد السوفياتي خلال السنوات الاخيرة من عهد ليونيد بريجنيف الذي توفي في العام 1982.
سمّيت تلك السنوات سنوات الجمود ولعبت دورا اساسيا في تهيئة الاجواء لانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة المرتبطة به ابتداء من نهاية الثمانينات من القرن المنصرم.
لم تشارك المؤسسة العسكرية في ما سمّي ثورة الخامس والعشرين من يناير من أجل تسليم السلطة الى الأخوان المسلمين. كانت هناك ثورة شعبية حقيقية استهدفت التخلص من نظام حسني مبارك الذي أصرّ على الاحتفاظ بالسلطة، كلّ السلطة، على الرغم من تجاوزه الثمانين من العمر وعلى الرغم من أنّه لم يعد يمتلك كلّ قدراته الذهنية في بلد اسمه جمهورية مصر العربيّة.
في كلّ الاحوال، امتلكت المؤسسة العسكرية المصرية، مدعومة من أكثرية الشعب المصري، ما يكفي من الجرأة والاقدام لتقول للأخوان المسلمين أن كفى تعني كفى وأنّ مصر لن تسمح بخطف الثورة، لا بواسطة صناديق الاقتراع ولا بأيّ طريقة أخرى.
توجّه المصريون بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير الى صناديق الاقتراع واختاروا الدكتور محمّد مرسي رئيسا. كان يمكن المصريين الصبر سنوات قليلة على مرسي الذي لم يكن سوى واجهة للأخوان المسلمين. لكنّ عاملين جعلا كيل المواطنين يطفح باكرا. كان العامل الاوّل مسارعة الأخوان الى العمل على تغيير طبيعة مؤسسات الدولة المصرية. مسّوا بالجيش والامن والقضاء وكلّ ما تقع عليه يدهم. ارادوا افهام الجميع أن مصر صارت دولة الأخوان مثلما أن غزة امارة طالبانية تحكمها حماس التي هي فرع من فروع الأخوان. كان لديهم جوع ليس بعده جوع الى السلطة. هل هذا ما لا تريد الادارة الاميركية فهمه على الرغم من التنبيهات العربية؟.
أمّا العامل الآخر الذي جعل المصريين يدفعون المؤسسة العسكرية الى التحرّك، وذلك بعد نزولهم الى الشارع بالملايين يوم الثلاثين من حزيران، فيتمثّل في الفشل الأخواني في ادارة شؤون الدولة. في غضون سنة، زاد الفقير المصري فقرا. الاهمّ من ذلك كلّه أن الأخوان المسلمين جعلوا المنظمات الارهابية الموجودة بكثرة في غزة تتمدد في اتجاه سيناء من اجل الهاء الجيش المصري وادخاله في مواجهات كان فيها عرضة لعمليات ارهابية موصوفة. كان الهدف الدائم ضرب معنويات الجيش المصري وصرفه عن أي دور وطني من أيّ نوع كان.
ثمّة محاولة جدّية لانقاذ مصر. اللافت في الامر أن المؤسسة العسكرية التي تحظى بدعم شعبي حقيقي لم تتراجع أمام التهديدات الاميركية والاوروبية. هل تريد ادارة اوباما ايران أخرى في مصر يقودها المرشد السنّي كي يرتاح لها بال؟ هل تريد التأكد من انه لن تقوم لمصر قيامة بفضل الأخوان المسلمين كي تطمئن الى أن المسيرة الديموقراطية في البلد العربي الاكبر في أحسن أيّامها وأحوالها؟.
ما هو لافت أيضا أن هناك عربا يدركون تماما ما على المحكّ في مصر وما معنى سقوط مصر. هؤلاء لم يشجعوا الأخوان ولم يدفعوا بهم الى الهاوية عن طريق تصوير الامور على غير حقيقتها لهم. هؤلاء العرب، رفضوا غشّ المصريين، بمن فيهم الأخوان. كان من بينهم دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربيّة السعودية ودولة الكويت والمملكة الاردنية الهاشمية، وقد سارعوا الى دعم الشعب المصري من دون تردّد. كان الموقف الاخير الصادر عن رجل شجاع وصادق هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز خير دليل على ذلك. هؤلاء العرب غير مستعدّين لمسايرة ادارة اميركية ساذجة وفي حال ضياع، ادارة لا تعرف شيئا عن الشرق الاوسط ولا عن مصر تحديدا. انها ادارة تقف موقف المتفرّج أمام الاحداث السورية حيث ثورة شعبية حقيقية في وجه نظام ظالم ومتوحش قتل الى الآن ما يزيد على مئتي ألف سوري ودمّر مئات المدن والقرى وهجّر ملايين السوريين من منطلق مذهبي بحت.
كان لا بدّ من الحؤول دون سقوط مصر. لم يكن في استطاعة العرب الشرفاء السماح بذلك بأي شكل. لا لشيء، سوى لأنّ هؤلاء يدركون جيّدا النتائج التي ستترتب على تمدّد قطاع غزة في اتجاه القاهرة وتحوّل مصر الى ساحة يسرح ويمرح فيها الجهاديون، بطبعتهم الأخوانية الجديدة.
هل كثير على مصر أن تجد من يقف الى جانب شعبها بما يحميه ويحميها ويحمي المنطقة من مزيد من الجهل والتخلف وانتشار الفكر الديني المتطرف الذي لا علاقة له بالاسلام من قريب أو بعيد؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00