8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

متى إيران دولة طبيعية في لبنان؟!

لا يمكن اعتبار ايران أوّل من يحاول خطف لبنان واخذه رهينة. كثيرون حاولوا ذلك قبلها. تبيّن مع الوقت أن لبنان ليس لقمة سائغة وأن ليس من السهل ابتلاعه. هو أصغر من أن يقسّم وأكبر من أن يبتلع.
من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع توجيه سؤال الى بعض الفلسطينيين الذين اعتقدوا أن في استطاعتهم استخدام لبنان ورقة في لعبة اكبر منهم. كلّ ما استطاع الفلسطينيون المسلحون، الذين اعتقدوا أنهم أقاموا جمهورية الفاكهاني، تحقيقه لبنانيا يصبّ في خدمة النظام السوري الذي اراد بدوره تحويل لبنان محافظة سورية. استخدم النظام السوري الذي أسّسه الراحل حافظ الاسد شعار شعب واحد في بلدين. تأكّد مع الوقت أن هناك أكثر من شعب، أكان ذلك في سوريا أو في لبنان وأن من لا يحافظ على البلدين وعلى الحدود بينهما، كي ينصهر السوريون في سوريا واللبنانيون في لبنان، يلعب لعبة تفتيت لبنان وسوريا في الوقت ذاته.
هذا ما يحصل الان على يد الاسد الابن الذي يقامر بمصير سوريا ويعتقد في الوقت انه سيتمكّن، بدعم ايراني مكشوف، أن يجعل من لبنان ورقة تصلح للمساومة مع الكبار من اجل البقاء في السلطة.
لم يدر بشّار الاسد يوما أن كلّ ما فعله، منذ اليوم الاوّل لخلافة والده يتمثّل في جعل سوريا مستعمرة ايرانية. لم يدرك في أي وقت، بسبب النفوذ الايراني، النتائج التي يمكن أن تترتب على المشاركة بطريقة أو بأخرى في اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وقبل ذلك في جريمة التمديد لاميل لحود على الرغم من صدور القرار الرقم 1559 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة.
كان النظام السوري من الغباء أنّ نائب الرئيس فاروق الشرع صرّح مباشرة بعد صدور القرار 1559 بانّ سوريا غير معنية بالقرار. بعد الانسحاب السوري من لبنان عسكريا، في نيسان- ابريل 2005، وهو انسحاب لم يستوعب بشّار الاسد الى الآن معناه وابعاده، صرّح الشرع نفسه بأنّ سوريا نفّذت الجانب المتعلّق بها من القرار.
هذا ما لم تفهمه ايران التي تعتقد أنّ القرار تجاوزه الزمن وأنّ في استطاعتها تجاهله. لم تتوقف ايران التي ورثت الوصاية السورية على لبنان واعتبرت أن الوطن الصغير صار مستعمرة من مستعمراتها، على غرار سوريا والعراق، عن التصرّف بطريقة تؤكّد أن لديها في لبنان هدفا واحدا وحيدا. يتلخّص هذا الهدف بوضع يدها على الوطن الصغير من منطلق انها تمتلك فيه ميليشيا مذهبية تسيطر على جزء من الاراضي اللبنانية، ميليشيا قادرة على فرض ارادتها على اللبنانيين بعدما اصبحت لها ادوات من كلّ الانواع على رأسها النائب المسيحي ميشال عون وبعض الذين على شاكلته.
لم يكن خطف الطيار التركي ومساعده بعيد مغادرتهما مطار رفيق الحريري سوى تعبير عن مدى التأثير الايراني، المباشر وغير المباشر، في لبنان وعن الشلل الذي أصاب أجهزة الدولة اللبنانية ومؤسساتها اثر هيمنة حزب مذهبي مسلّح على كلّ مرافق الدولة. يستطيع هذا الحزب حتى تعطيل تشكيل حكومة لبنانية وتدمير ما بقي من مؤسسات الدولة ارضاء لايران.
هل تستفيد ايران من تجربتي الفلسطينيين والسوريين في لبنان. ليس المقصود الشعب الفلسطيني العظيم ولا الشعب السوري البطل الذي يخوض مواجهة لا هوادة فيها من أجل استرجاع كرامته. المقصود هنا قيادات فلسطينية أخطأت العنوان في لبنان ونظام سوري فئوي اعتبر، عن سابق تصوّر وتصميم، الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على فلسطين.
انكشف النظام السوري في لبنان. كانت ايران المستفيد الاوّل من ذلك، خصوصا أن ميليشيا حزب الله سارعت الى سدّ الفراغ الامني الناجم عن الانسحاب العسكري السوري. لا شكّ أن ايران تتصرّف، من اجل تكريس وجودها الى ما لا نهاية في لبنان بطريقة مختلفة تتسم، الى حدّ كبير، بالدهاء. انها تعمل على تجويع اللبنانيين وضرب الاقتصاد واسسه عن طريق عزل البلد عن محيطه العربي.
قبل ذلك، وظّفت، منذ ثلاثة عقود واكثر، مليارات الدولارات في عملية تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في الوطن الصغير. كذلك، سعت الى اختراق الطوائف الاخرى بوسائل وطرق مختلفة. لعلّ أخطر ما تفعله ايران يتمثّل في جعل الاقتصاد اللبناني من النوع الريعي بدل أن يكون اقتصادا منتجا. صار لبنانيون في مناطق معيّنة وفي اوساط معروفة يتكلون على الجمعيات الخيرية وعلى تقديمات حزب الله وعلى التحايل على مؤسسات الدولة بدل اللجوء الى الكدّ والعمل والعلم كما يفترض بهم أن يفعلوا...
هل تنجح ايران حيث فشل بعض الفلسطينيين وبعدهم النظام السوري؟ لا يمكن الاستهانة بالتصميم الايراني وبالاوراق التي تمتلكها طهران، على رأسها المتاجرة بالقضية الفلسطينية ورفع الشعارات الفضفاضة واختراق قسم كبير جدا من ابناء الطائفة الشيعية الكريمة. ولكن لا يمكن الاستهانة ايضا بالمقاومة اللبنانية التي يجسّدها الشعب اللبناني. من كان يصدّق أن المسلحين الفلسطينيين سيغادرون لبنان يوما وأنّ جمهورية الفاكهاني لن تكون سوى ذكرى بائسة وحزينة ومؤلمة للبنانيين والفلسطينيين في آن. من كان يصدّق أن الجيش السوري سينسحب يوما من لبنان؟
هل تستعيد ايران وعيها قبل فوات الاوان وتتبع مع لبنان سياسة طبيعية، أي سياسة دولة مستقلة تجاه دولة مستقلة اخرى؟ الواضح أن ذلك من سابع المستحيلات في المدى المنظور نظرا الى أن ايران لا تعتبر نفسها دولة طبيعية. وحده الوقت سيجعلها تتيقن من أن ما عجز عنه كثيرون في لبنان ستعجز عنه بدورها. ولكن سيظل السؤال مرتبطا بالثمن الذي سيدفعه لبنان واللبنانيون قبل أقتناع ايران بأنّ لبنان سيظلّ عصيّا عليها. من الاكيد أن هذا الثمن سيكون غاليا، بل غاليا جدا...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00