8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سياسة الحد من الأضرار فلسطينياً

لم يكن أمام الجانب الفلسطيني من خيار آخر غير قبول الوساطة التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري. ليس هناك ما يسمح للسلطة الوطنية بغير ذلك... الاّ اذا كان هناك مجنون فلسطيني يعتقد أن الوقت يعمل لمصلحة القضيّة وليس لمصلحة تكريس الاحتلال.
لم يكن في استطاعة السلطة الوطنية تحمّل النتائج التي يمكن أن تترتب على اعلان واشنطن أنها الجانب المسؤول عن فشل الجهود التي يبذلها كيري من أجل اعادة الفلسطينيين والإسرائيليين الى طاولة المفاوضات.
كلّ ما يمكن قوله الآن، أن الفلسطينيين تفادوا قطيعة مع الادارة الأميركية. انّه انجاز في حدّ ذاته، على الرغم من غياب أي مؤشر الى أن المفاوضات يمكن أن تحقق أي نتيجة. فما لا يزال ينقص المفاوضات هو المرجعية الواضحة التي تؤكّد ان الهدف اقامة دولة فلسطينية استنادا الى خطوط العام 1967، مع قبول الطرفين تبادلا للاراضي وان في حدود معيّنة مقبولة فلسطينيا وإسرائيليا.
الثابت أن المفاوضات لا يمكن إلا أن تصطدم في مرحلة معيّنة بقضايا في غاية التعقيد مثل المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومستقبل القدس الشرقية، المفترض أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، وحقّ العودة. لكنّ الثابت ايضا أنّ هناك مخارج يمكن أن يتوصل اليها الجانبان في حال كانت النيات الإسرائيلية صافية ولم يعد همّ بنيامين نتنياهو محصورا في التفاوض من أجل التفاوض رغبة في تمرير الوقت الذي يسمح باقامة واقع جديد على الارض.
كان نتنياهو الناطق الرسمي للوفد الإسرائيلي في مؤتمر مدريد الذي انعقد برعاية أميركية - سوفياتية، اسميا، في اواخر العام 1991 وذلك قبل اسابيع قليلة من انهيار الاتحاد السوفياتي رسميا. ارادت ادارة جورج بوش الاب وقتذاك استغلال مرحلة ما بعد حرب تحرير الكويت للسعي الى إيجاد تسوية في الشرق الاوسط بعدما ظهر بكلّ وضوح وبما لا يترك مجالا للشكّ، انه لم تعد هناك سوى قوة عظمى وحيدة في العالم.
استطاعت القوة العظمى الوحيدة في العالم جرّ إسرائيل الى مؤتمر مدريد جرّا. لعب جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي وقتذاك الدور الاساسي في اقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير في دخول لعبة التسوية التي كان يرفضها من منطلق انه ظلّ يؤمن حتى اليوم الاخير من حياته (توفي في الثلاثين من حزيران- يونيو 2012) بـإسرائيل الكبرى التي تشمل كلّ اراضي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
كان ردّ شامير على الضغوط الأميركية التي مورست عليه بأنه سيفاوض ويفاوض... من أجل أن يفاوض. لا يزال بنيامين نتنياهو يؤمن بهذا الخيار والاكيد انه كان يتمنى لو رفض الفلسطينيون العودة الى طاولة المفاوضات. كان ذلك سيمثّل بالنسبة اليه افضل هدية يمكن أن يحصل عليها اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر الضفة الغربية ارضا متنازعا عليها وليست أرضا محتلة. انها أرض أخذتها إسرائيل بقوة السلاح من الاردن في العام 1967 وينطبق عليها القرار 242 الذي ينطوي تفسيره على بعض الغموض، ولكن في أساسه مبدأ الارض في مقابل السلام.
ما فعله الجانب الفلسطيني، الى الان، هو الحدّ من الاضرار. باختصار، لا يمكن لهذا الجانب في المرحلة الراهنة السماح لنفسه بالدخول في أي مواجهة، من أي نوع، مع الولايات المتحدة. اضافة الى ذلك، يمكن للفلسطيني الاستفادة من وجود حاجة إسرائيلية الى الادارة الأميركية في شان كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بايران وطموحاتها الاقليمية وبرنامجها النووي. ان إسرائيل تستفيد عموما من الدور الايراني في المنطقة والذي يصبّ في اثارة الغرائز المذهبية في كلّ بلد عربي، لكنها تخشى في الوقت ذاته من سياسات مغامرة تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة كل القوى المتطرفة، اكانت سنّية أو شيعية.
لعلّ أكثر ما يجب أن يريح الجانب الفلسطيني الانتقادات التي وجهتها حركة حماس للقبول بالعودة الى طاولة المفاوضات. فالى اشعار آخر، لم تظهر حماس الاّ الرغبة في خدمة الاحتلال الإسرائيلي ومساعدته في تبرير سياساته. هل أفضل من ممارسات حماس في قطاع غزة، خصوصا منذ الانسحاب الإسرائيلي صيف العام 2005، لتبرير سياسة ارهاب الدولة الذي تمارسه الحكومات الإسرائيلية المتتالية؟
بدل أن تساعد حماس، انطلاقا من غزة، في اقامة نموذج لما يمكن أن تكون عليه دولة فلسطينية مسالمة، راحت تطلق الشعارات الفارغة والصواريخ المضحكة - المبكية التي لم تجلب سوى البؤس الى أهل القطاع. وفي مرحلة لاحقة، تحوّلت حماس الى راعية للفوضى السائدة في سيناء وكأنه لا يكفي ما فعلته بغزة وأهلها.
ليس ما يضمن تحقيق المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، في حال انعقادها، أي تقدّم. لكنّ القرار الفلسطيني بالاستجابة للرغبة الأميركية كان افضل قرار يمكن اتخاذه في ضوء الظروف والمعطيات السائدة. المهمّ في المستقبل القريب اعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بدءا بتفادي الرهان على وهم المصالحة مع حماس. تبدأ عملية اعادة ترتيب البيت بالتراجع عن خطأ يتمثل في دفع الدكتور سلام فياض الى الاستقالة.
مرّة اخرى، ان سلام فيّاض، كان أفضل ما حصل للفلسطينيين منذ فترة طويلة. صحيح أن العودة الى المفاوضات يعيد مدّ الجسور مع واشنطن، وهو ما تحاربه إسرائيل دائما، لكن الصحيح ايضا أن حكومة برئاسة سلام فيّاض هي الضمانة الوحيدة لاعادة الثقة الدولية بالمؤسسات الفلسطينية التي يمكن أن تشكّل نواة لدولة مستقلة. هل الدولة المستقلة هدف فلسطيني... أم أن المطلوب في المرحلة الراهنة الاكتفاء بالحدّ من الاضرار، عبر دخول اللعبة الإسرائيلية ولكن برعاية أميركية، أي لعبة التفاوض من أجل التفاوض؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00