اختتم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ولايته الثانية والأخيرة بزيارة للعراق. شملت الزيارة، التي جاءت قبل أيام من تسليمه الرئاسة لخلفه حسن روحاني، بغداد والنجف ومدناً أخرى وذلك بهدف إعطاء الزيارة بعداً مذهبياً أكثر من واضح.
لا يمكن لأيّ عاقل يمتلك حداً أدنى من التفكير المنطقي أكان في السياسة أو الاقتصاد أو الجغرافيا الاعتراض على تقارب عراقي - إيراني. الطبيعي أن تكون هناك علاقة جيّدة بين بغداد وطهران وأن يكون هناك تعاون في كلّ المجالات بين الجانبين. ما ليس طبيعياً وجود علاقة غير متوازنة بين العراق الذي كان إلى الأمس القريب دولة عربية ودولة مثل إيران. صار العراق الآن يبحث عن هويته من جهة، فيما ترى إيران، من جهة أخرى، أن لديها دوراً إقليمياً مهيمناً يفوق بكثير حجمها وإمكاناتها... وتعتبر السيطرة على العراق جزءاً لا يتجزّأ من هذا الدور، بل في أساسه.
إنه دور إقليمي قائم على ركيزتين. الركيزة الأولى ذات طابع مذهبي بحت. تعزّز الدور في ضوء تولي الأحزاب الطائفية والمذهبية، التي تمتلك ميليشيات خاصة بها، السلطة في العراق إثر سقوط النظام العائلي - البعثي، غير المأسوف عليه، الذي أقامه صدّام حسين.
أما الركيزة الأخرى فهي تتمثل في لعب إيران دور الشريك الفاعل في الغزو الأميركي للعراق واستغلال الانسحاب العسكري الأميركي لملء الفراغ الناجم عن ذلك. كانت النتيجة خروج منتصر واحد من الحرب الأميركية على العراق. اسم هذا المنتصر إيران التي حقّقت ما يمكن وصفه بانتقام تاريخي على العراق والعراقيين.
بات المسؤولون الأميركيون يعترفون صراحة في هذه الايّام بأنّه لم يعد لديهم أي نفوذ في العراق، وذلك منذ الانسحاب العسكري من البلد. وهو انسحاب أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنه نفّذ بموجب الشروط التي وضعتها إيران والتي تولى نقلها رئيس الوزراء العراقي، نعم العراقي، نوري المالكي.
أثبتت إيران أنها وضعت يدها على العراق. من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع العودة إلى الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجريت في السابع من آذار/مارس 2010. كان واضحاً، من النتائج، أن الفائز في الانتخابات هو اللائحة التي ترأسها الدكتور أيّاد علاوي. لم يستطع علاّوي تشكيل حكومة، على الرغم من حلول لائحته في المرتبة الأولى. أصرّت إيران على أن يكون نوري المالكي رئيساً للوزراء وأمّنت له بوسائلها الخاصة الأكثرية المطلوبة ضاربة عرض الحائط بالدستور العراقي.
ما شهده العراق تكرّر في لبنان. فقد فاز التيار الاستقلالي الرافض للهيمنة الإيرانية وللميليشيات المذهبية المسمّاة حزب الله في انتخابات حزيران/يونيو 2009. شكّل سعد الحريري حكومة وحدة وطنية. رفض الرئيس الحريري تنفيذ الشروط الإيرانية التي تُختصر بوضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية وذلك بدءاً بإزالة نظام التأشيرة بين البلدين وصولاً إلى توقيع اتفاق عسكري بينهما، مروراً بإدخال إيران إلى النظام المصرفي اللبناني.
كانت النتيجة التخلّص من الحريري، بقوة السلاح، والإتيان بحكومة برئاسة نجيب ميقاتي شكّلها له حزب الله. في نيسان/أبريل 2013، وبعد اضطرار ميقاتي إلى تقديم استقالة حكومته، سعى اللبنانيون، الشرفاء حقّاً، إلى استعادة المبادرة. دعوا تمّام سلام، ابن البيت السنّي البيروتي العتيق إلى تشكيل حكومة تنقذ ما يمكن انقاذه من مؤسسات البلد واقتصاده. إلى الآن، لا يزال تمّام سلام عاجزاً عن ذلك... لأسباب إيرانية لا تخفى على أحد. في مقدّم هذه الأسباب الشروط التي يضعها حزب الله على الرئيس المكلّف.
يودّع أحمدي نجاد الإيرانيين، بزيارة لبغداد ومدن عراقية أخرى. إنه يقوم بجولة تفقّدية أخيرة للمستعمرة الإيرانية. الأكيد انّه كان يودّ أن يعرّج على المستعمرة الإيرانية الأخرى التي اسمها لبنان الذي أقامت فيه إيران دولتها بعد نجاحها في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي، في معظمه، إثر جهود واستثمارات يزيد عمرها على ثلاثين سنة.
بغض النظر عمّا تضمره إيران الساعية بوضوح إلى وضع العراق وسوريا ولبنان تحت جناحيها وتهديد دول الخليج العربي، على رأسها البحرين، يظلّ السؤال هل ستكون قادرة في المدى الطويل على تحقيق هذا الطموح؟
سيتبيّن عاجلاً أم آجلاً أن الغرائز المذهبية ليست كافية لتكريس دور إقليمي لدولة مثل إيران, نسبة أربعين في المئة من سكّانها يعيشون تحت خطّ الفقر. فإيران لا تمتلك في النهاية أيّ نموذج تقدّمه، لا على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الحضاري. يستطيع أحمدي نجاد اعتبار المستعمرتين العراقية واللبنانية والإصرار على مشاركة النظام السوري في قتل شعبه، جوائز ترضية. يستطيع التذرّع بهذه الجوائز في محاولته تسويق نفسه والسنوات الثماني التي أمضاها في الرئاسة وتغطية فشله على الصعيد الداخلي.
جوائز الترضية تبقى جوائز ترضية. وحدها الأرقام هي الجوائز الحقيقية بالنسبة إلى أي شخصية سياسية. والأرقام تدعو إلى التساؤل هل حقّقت إيران أي تقدّم في عهد أحمدي نجاد؟ لماذا كلّ هذا الفقر؟ لماذا نسبة التضخم تزيد على الثلاثين في المئة سنوياً؟ لماذا لا تستطيع إيران تسديد ديونها، بما في ذلك الديون المترتبة عليها لدى المؤسسات الدولية؟ لماذا لم تعد قادرة على تصدير أكثر من سبعمئة ألف برميل من النفط يومياً، أي ثلث ما كانت تصدّره في الماضي؟
ظاهراً، تبدو إيران وكأنها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في المنطقة. كم يمكن أن يدوم ذلك، فيما الشعب الإيراني نفسه يتوق كلّ يوم إلى الخروج من حال البؤس التي يعاني منها... وهو يعرف أن جوائز الترضية والشعارات لا تطعم خبزاً ولا تؤمن اقتصاداً عصرياً مرتبطاً بشكل صحّي بما يدور في المنطقة والعالم...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.