22 نيسان 2020 | 11:42

منوعات

"كورونا" تحرم البيارتة من إحتفالية "أربعة أيوب"!


زياد سامي عيتاني*

مثلما حرمت الجانحة "كورونا" اللعينة "البيارتة"، كما سائر اللبنانيين من القيام "بسيبانة" رمضان، التي آعتادوا القيام بها في آخر يوم عطلة قبل حلول شهر الصيام؛ ها هي "كورونا" أيضاً تعيقهم أيضاً من الإحتفال بواحدة من مناسبات الآباء والأجداد ألا وهي "أربعة أيوب"، التي هي مناسبة سنوية تندرج في إطار التراث الشعبي البيروتي، التي كانوا يحتفلون بها في يوم الأربعاء الذي يلي فصح الطوائف الشرقية والذي يكون في شهر نبسان، من خلال إقامة "السيران" (البيك نك) على شاطئ الرملة البيضاء، وإعداد حلوى "المفتقة" خصيصاً للمناسبة(!)

لذلك، سوف نستعيض عن الإحتفال الشعبي الذي كان يقام سنوياً، بآستعادة طقوسها وفعالياتها عن طريق مخزون الذاكرة:

**

•قصة النبي أيوب:

وقصة النبي أيوب أنه كان رجلاً ثرياً، فأوحي إليه، وصار كثير العبادة، رحيماً بالمساكين والسائلين. لذا حسده إبليس ففقد ثروته وأولاده وإبتلي بمرض جلدي لا شفاء منه، ومع ذلك ورغم كل ما أصابه من ويلات بقي صابراً حامداً ربه على ما ابتلي به.

البلاء الذي أصيب به النبي أيوب، والصبر الذي أبداه يفوق طاقة احتمال البشر، فضُرب المثل به وبصبره، وصار الناس يرددون "يا صبر أيوب" عند كل موقف يتطلب التغلب على الشدائد بالصبر. وذات يوم ضرب النبي أيوب الأرض برجله، فانبعثت عين ماء، اغتسل بها وشرب منها، فذهب مرضه وشفي تماماً.

لذلك صارت الناس تغتسل بمياه البحر، تيمنناً بالنبي أيوب. من هنا قول العامة في أمثلتهم الشعبية: "يلي ما بيغتسل بأربعة أيوب، جسمه بدو يفنى ويذوب".

**

•"العرعر" بديلاً عن الإغتسال:

ومن لم يكن يشارك في طقوس على شاطىء الرملة البيضاء، كان يغسل وجهه بماء تنقع فيه "حشيشة أيوب"، أي عشبة "العرعر" المعروفة بفوائدها الطبية منذ أيام الفراعنة.

وعن فوائد هذه العشبة يقول الطبيب داوود الإنطاكي: "إن العرعر البري أصفر اللون يميل إلى الحلاوة، يشفي من السعال المزمن وأوجاع الصدر وضعف المعدة ويقاوم السموم ويشد البدن".

**

•التحضيرات وإعداد "المفتقة":

وكانت التحضيرات لاحتفالات "أربعاء أيوب" تبدأ قبل أسبوع من موعدها. فيقوم الشباب بتنظيف رمال شاطئ الرملة البيضاء ونصب الخيام والعرازيل وتوزيعها وفق المناطق والعائلات. وكانوا يعدون أيضاً طائرات الورق الملونة.

أما النساء فكن ينصرفن لإعداد وطهو "المفتقة" وهي الحلوى الخاصة بالمناسبة، حيث كانت تطبخ في البيوت من الأرز والسكر وطحينة السمسم والعقدة الصفراء. وارتبطت حلوى "المفتقة" بـ"اربعاء أيوب" لأنها ترمز إلى الصبر الذي كان ميزة النبي أيوب. فتحضيرها يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً وصبراً وافراً، لإنها تحتاج إلى التحريك المتواصل الذي بدوره يتطلب قوة جسدية، كما أنه يعتقد بأن فوائدها الغذائية تقوي الجسد، بعدما أتعبه الشتاء.

**


•التوجه إلى الشط بالطنابر:

في يوم الإحتفال الشعبي، كانت تنطلق "وش الصبح"،(عند الفجر)، مواكب النساء والأولاد من كل الأحياء بإتجاه "شط الرملة البيضا" على ظهور الخيول والحمير والطنابر (أوتوبيسات ذلك الزمان). فيعبرون دغلات القصب والصبير وحقول الخس والفجل والرشاد وسط خوار الأبقار وصياح الديوك وقرقعة عجلات الطنابر وصراخ بائعي الجميز، (كما صورها الأديب والقاص الراحل محمد عيتاني)، وهم يصفقون ويغنون ويهزجون، فيما تكون الشرطة قد أرسلت دورياتها لحفظ النظام.

**

•فعاليات "السيران":

ولدى وصول النسوة إلى الشاطىء يفرشن الأرض بالحصر والبسط ويغطين الخيم من الداخل بالشراشف البيضاء للوقاية من حرارة الشمس ويصفون كراسي الخيزان والطبليات الخشبية خارج الخيم ويرتبن صحون المفتقة وطناجر الطعام ويشعلن طبّاخ الفخار ويحضرن الأراكيل.

أما خارج الخيم، ينتشر بائعو الكعك واللوز والترمس والبرتقال المشكوك بالقرنفل والتفاح المغلف بالمعلل والصفوف والفستق السوداني وقصب المص وغزل البنات.

في هذا الوقت يتسابق الشبان حفاة على الرمل ويلعبون لعبة شد الحبال ويسبحون. أما الفتيان فيتبارون بتطيير "طيارات الورق" في سماء الرملة البيضاء، وغالباً ما كانت تحصل مشاجرات عندما "تتشركل" خيوط الطيارات وتتشابك. وللأولاد حصتهم فيلهون بلعب "الكلل" و "بزر المشمش" وجمع الأصداف التي تدفعها الأمواج وزبدها الأبيض المتمايل على الشاطىء ورماله الذهبية.

عند العصر يحضر الرجال آتين من أعمالهم، فتفرش الموائد ويبدأ شوي اللحم وتحضير التبولة، ويتناول الجميع وجبة الغداء، ويتحلون بعدها بالمفتقة. ثم يصعد الرجال إلى سطوح "العرازيل" ويأخذون القيلولة، في حين ينصرف بعضهم إلى لعب الورق والداما خارج المخيم.


**

•طقس الاغتسال:

عندما تبدأ الشمس بالغروب، يحين موعد طقس الإغتسال تتجمع العائلات ويضرب الشبان حلقة أشبه بطوق بشري لمنع مرور الغرباء، وتنزل النساء إلى البحر بفساتين طويلة فتغطس كل منهن سبع غطسات للتبارك أو وفاء لنذر أو رجاءً أو طلباً للشفاء تيمناً بالنبي أيوب.

***


•"الست خدرج" منظمة الإحتفال:

وكما إرتبطت "أربعة أيوب" بحلوى "المفتقة"، فهي كذلك إرتبطت بالست "خدرج". والست حدرج هي سيدة من آل عيتاني "جب" المصيطبة، وكانت مرهوبة الجانب في منطقتها، يهابها الكبار قبل الصغار. فهي "أخت الرجال، مسدسها على وسطها على الدوام"، كما يروي المعمرون من البيارتة. وكان صوتها عريضاً من كثرة تدخين "التطلي" العريضة، ولسانها سليطاً كسوط.

فكانت الست "خدرج" المشرفة على تنظيم وإجراءات كل فعاليات "أربعة أيوب"، فهي من تقود العائلات البيروتية في تظاهرة حاشدة إلى الرملة البيضاء، كما كانت تشرف على نصب الخيم على شاطئ الرملة البيضاء وتوزها جغرافياً بتوزيع متوازٍ لها بحسب العائلات والمناطق.

**

... هكذا كان أهل بيروت يحتفلون بـ"أربعة أيوب" على "شط الرملة البيضا"، كتقليد متوارث يدخل في قائمة التراث والعادات الشعبية الجميلة التي درجوا عليها طوال عقود من الزمن.



*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

22 نيسان 2020 11:42