8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ما جناه حافظ.. على بشار.. وعلى سوريا

يتوّج الفيتو الروسي- الصيني الثالث في مجلس الامن سلسلة من الدعوات الصادرة عن قصد او عن غير قصد الى مزيد من سفك الدماء في سوريا وممارسة مزيد من الجرائم في حقّ الشعب السوري. يبدو الفيتو دعوة صريحة الى الرئيس بشّار الاسد من اجل التمسّك بالرهان على الحلّ الأمني والسعي الى البقاء في السلطة عن طريق التخلّص من الشعب السوري. أليس في موسكو وبيجينغ من يعرف ان النظام السوري انتهى وانّ إطالة عمر النظام ليس سوى الطريق الاقصر من اجل تفتيت هذا البلد لا اكثر؟
ولّى زمن المعجزات. ولذلك لا وجود لأيّ أمل من اي نوع كان بإنقاذ النظام السوري. صار هذا النظام الذي أنشأه حافظ الاسد جزءا من التاريخ. مشكلة بشّار الاسد تكمن بكلّ بساطة في انّه ورث نظاما غير قابل للحياة اضافة بالطبع الى انه يفتقد اي نوع من الثقافة السياسية.
لو كان الراحل حافظ الاسد يمتلك حدّا ادنى من الفكر السياسي السليم والرؤية الاستراتيجية، لكان رفض التوريث قبل اي شيء آخر وذلك حرصا على افراد عائلته اوّلا، في مقدّمهم الدكتور بشّار، وعلى سوريا ومستقبلها ثانيا وأخيرا. كان يفترض بالاسد الاب ترك سوريا للسوريين بعدما حكم البلد بالحديد والنار طوال ثلاثة عقود وبعدما كان شريكا اساسيا في السلطة بصفة كونه وزيرا للدفاع بين العامين 1966 و1970.
لا يتحدّث عن محاسن حافظ الاسد وإتقانه لعبة التسويات وامتلاكه فكرا استراتيجيا سوى السذّج من الذين لا يمتلكون حدّا ادنى من الوعي السياسي. بقي حافظ الاسد في السلطة لأنّه كانت هناك حاجة اليه طوال مرحلة معيّنة وذلك بغية تنفيذ اهداف معيّنة. كوفئ في العام 1970 لأنّه سلم الجولان الى اسرائيل ابان توليه وزارة الدفاع في العام 1967. لعب خلال توليه السلطة او جزءا منها كلّ الادوار المطلوبة منه بدءا بتهريب الاسلحة الى لبنان ثم تسليح الفلسطينيين وكلّ انواع الميليشيات المسيحية والاسلامية في الوطن الصغير.
ارتكبت قواته وأجهزته كلّ انواع المجازر في لبنان. ذهب ضحية هذه المجازر مسيحيون ومسلمون لبنانيون وآلاف الفلسطينيين فضلا عن لائحة طويلة من الشخصيات اللبنانية المرموقة من كلّ الطوائف والمناطق.
لم تدرك القيادات الفلسطينية يومها، وثمة من لا يزال لا يدرك الى الآن، انه بتحوّل الفلسطينيين طرفا في الحرب اللبنانية منذ العام 1975، وقبل ذلك في احداث الاردن في 1970، كان حافظ الاسد يمارس هواياته المفضلة. كان يمارس هواية التمتع بسفك الدماء، فضلا عن هواية المتاجرة بالشعب الفلسطيني وقضيته، وأخيرا وليس آخرا هواية مشاهدة اللبنانيين يتقاتلون في ما بينهم ويدمّرون بلدهم. وهذا ما احسنت الاردن تفاديه بفضل تعقّل الملك الحسين، رحمه الله، وبُعد نظره وشجاعته ورجولته الحقيقية.
زادت الحاجة الى حافظ الاسد، الذي لم يتردد في السنة 1980 في حشد قواته على طول الحدود مع الاردن لإفشال القمة العربية التي استضافتها عمّان، مع صعود نجم صدّام حسين في العراق. كان البعثي الآخر الحاكم في العراق يمتلك ما يكفي من الغباء لجرّ العراق الى كلّ انواع المغامرات وصولا الى جريمة احتلال الكويت في العام 1990. قبل ذلك، بين العامين 1980 و1988، كان مطلوبا اطالة الحرب العراقية- الايرانية قدر الامكان بغية انهاك العراق والقضاء على النسيج الاجتماعي لشعبه. اكثر من ذلك، كان مطلوبا استنزاف الثروات العربية خدمة لاسرائيل وزيادة الاعتماد العربي على الوجود العسكري الاميركي في الخليج. كان حافظ الاسد يعرف ذلك جيّدا فذهب الى النهاية في دعم ايران- الخميني التي كان همّها الاول والاخير، ولا يزال، القضاء على كلّ ما يمت الى الحضارة من قريب او بعيد في المنطقة العربية. استخدم العلاقة مع ايران في ابتزاز العرب الآخرين، خصوصا اهل الخليج.
ادى حافظ الاسد كلّ الادوار المطلوبة منه، بما في ذلك ابقاء جبهة جنوب لبنان الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة، خصوصا بعد حرب العام 1967 وبعد التوصل الى اتفاق فك الارتباط بين سوريا واسرائيل في العام 1974. لم تعترض اسرائيل يوما على ذلك، هي التي دعت في العام 1976 الى منع الجيش السوري من دخول جنوب لبنان بسبب حاجتها الى الاشتباك مع الفلسطينيين بين وقت وآخر.
فوق ذلك كلّه، أفقر حافظ الاسد سوريا واستخدم الاسلحة السوفياتية في قمع شعبه وإذلاله وتهجير كلّ الكفاءات. لم يكن هناك حتى مستشفى لائق في دمشق. وعندما تعرّض نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لنوبة قلبية، في العام 1999 نقل على عجل الى بيروت لانقاذ حياته على ايد اطباء لبنانيين في مستشفى الجامعة الاميركية!
كان حافظ الاسد مجرّد اداة تستخدم في تأدية ادوار معيّنة. كان الدور الاقليمي لسوريا وهماً أكثر من ايّ شيء آخر ولا يزال الامر كذلك. لو كان يمتلك حدّا ادنى من الذكاء السياسي الحقيقي، الذي لا بدّ من التمييز بينه وبين ما يسمّى المكر، هل كان قَبِلَ أن يرثه نجله الثاني؟ هل كان قبِل ان يكون على رأس بلد مثل سوريا، حيث لا نظام سياسيا على علاقة بالسوريين، شخص مثل بشّار الاسد؟
يحصد الرئيس الحالي، الذي يسمّيه نائب بيروت الصديق نهاد المشنوق الرئيس السابق، ما زرعه والده. زرع نظاما قائما على الاجهزة الامنية. لو كان مثل هذا النظام قابلا للحياة، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق... ولكانت تماثيل ستالين في كل مدينة روسية!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00