ما نشهده في سوريا نهاية طبيعية لنظام غير طبيعي. هذا كلّ ما في الأمر. هناك نظام قرّر من أجل البقاء في السلطة الانتهاء من شعبه. تبيّن بكلّ بساطة أن الشعب السوري ليس مستعداً لقبول الذلّ الى ما لا نهاية. قرّر هذا الشعب المقاومة على غرار ما يفعله اللبنانيون منذ سنوات عدة في مواجهة آلة القتل السورية التي استهدفت كبار رجالات البلد من كمال جنبلاط الى الرئيس رفيق الحريري ورفاقه مروراً بالمفتي حسن خالد والرئيسين بشير الجميّل ورينيه معوّض وعشرات آخرين وصولاً الى سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار أمين الجميّل وانطوان غانم. بالطبع، لا يمكن أن ننسى الشهداء الأحياء الذين صمدوا في وجه آلة القتل على رأسهم مروان حمادة والياس المرّ ومي شدياق.
في مثل هذه الأيّام لا يمكن إلاّ أن نتذكر أيضاً شهداء لبنان وهم بعشرات الآلاف، كذلك المعتقلين في السجون السورية. نتذكّر شهداء طرابلس وصيدا والدامور والقاع والعيشية والأشرفية وكلّ قرية من القرى ومدينة من المدن التي تعرّضت على مرّ السنوات لوحشية النظام السوري الذي رفع منذ ما يزيد على أربعين عاماً شعار الانتصار على لبنان بديلاً من الانتصار على إسرائيل.
اتخذ الشعب السوري قراره وقرّر إخراج النظام من دمشق. ماذا بقي أمام بشّار الأسد ليفعله بعدما صار الوضع السوري خارج السيطرة؟ هل يصدّق أن روسيا وإيران تستطيعان أن تفعلا شيئاً؟ هل يصدّق ما يقوله سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي عن أن هناك قطاعاً من الشعب السوري لا يزال يدعم النظام؟ لو كانت روسيا قادرة على فعل شيء، لكانت أنقذت نيقولاي تشاوشيسكو، عندما كان الاتحاد السوفياتي لا يزال حيّاً يرزق.
تبدو نهاية النظام السوري مزيجاً من نهايتين. نهاية تشاوشيسكو ونهاية معمّر القذّافي. إنه يدفع ثمن العجز عن فهم أنّ الجرائم لا تحلّ أي مشكلة وأنّه لا يمكن تغطية جريمة بأخرى أكبر منها. جرّب ذلك في لبنان مراراً. حاول تغطية جريمة التمديد لاميل لحّود بجريمة محاولة اغتيال مروان حماده. لمّا عجز عن إرهاب اللبنانيين هو وعملاؤه المباشرون الذين يعملون لدى إيران، جاءت جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. ولمّا نزل اللبنانيون الى الشارع وأخرجوا بصدورهم العارية القوات السورية من الأراضي اللبنانية، سعى الى إرهابهم عن طريق مزيد من التفجيرات والجرائم مستعيناً بالأدوات الإيرانية وأدوات الأدوات من مستوى ذلك البطل المتخصص بخوض المعارك الخاسرة سلفاً التي هجرت عشرات آلاف اللبنانيين من لبنان، خصوصاً المسيحيين منهم.
ورث بشّار الأسد السلطة وليست لديه سوى فكرة واحدة تقوم على القراءة من كتاب قديم اسمه حافظ الأسد. لم يدرك أن العالم تغيّر وأن الشرق الأوسط كلّه تغيّر وأن السياسة التي اتبعها حافظ الأسد كانت سياسة جوفاء تعكس عمق الأزمة التي يعاني منها النظام السوري، وهي للمرّة الألف أزمة نظام وكيان في الوقت ذاته.
ماذا بقي أمام بشّار الأسد يفعله. هل يستخدم الأسلحة الكيميائية ضدّ شعبه؟ الأرجح أنه سيلعب ورقته الأخيرة وهي ورقة الدولة العلوية بعدما لفظته دمشق ولفظته قبل ذلك حمص وحماة وحلب. السؤال الآن، هل لا يزال مجال للعب ورقة الدولة العلوية؟
ما لا بدّ من ملاحظته أن العلويين ليسوا جميعاً مع بشّار الأسد. لقد عانت الطائفة العلوية دائماً من آل الأسد. قتل حافظ الأسد محمد عمران وسجن صلاح جديد... حتى الموت. وفتك بعشرات الضباط الآخرين الذين رفضوا أن يكونوا مجرّد خدم عنده.
لا شكّ أن القصف العنيف الذي تعرّضت له كلّ من حمص وحماة والمناطق المحيطة بهما استهدف أوّل ما استهدف توسيع المجال الحيوي للدولة العلوية. ولكن مما لا شكّ فيه أيضاً أن مثل هذه الاستراتيجية فشلت فشلاً ذريعاً في ضوء صمود حمص ورفض عدد كبير من العلويين التجاوب مع هذا التوجّه. من يستطيع إقناع بشّار الأسد بأنّ هذا الخيار فاشل وبات أفقه مسدوداً تماماً كما فشل قبل ذلك خيار الحلّ الأمني.
ليس أمام بشّار الأسد سوى الخروج من سوريا اليوم قبل غد. ليس أمامه سوى الذهاب الى روسيا... أو إيران مع أفراد عائلته في انتظار مثوله أمام المحكمة يوماً. في ما عدا ذلك، لا خيارات أخرى أمام رجل كان يظنّ أن التخلّص من رفيق الحريري يحلّ أي مشكلة من مشاكل النظام ويمكّن هذا النظام من تجاوز أزمته العميقة.
أخطأ بشّار الأسد في لبنان أخطأ في حق اللبنانيين. لم يتعلّم شيئاً من خروجه من الوطن الصغير. ها هو الآن يخطئ في سوريا ويخطئ في حقّ السوريين. كنّا نعتقد، بعد الذي فعله في لبنان والجرائم التي ارتكبها عن سابق تصوّر وتصميم أنه لا يعرف شيئاً عن البلد الجار. نكتشف اليوم أنه لا يعرف شيئاً لا عن سوريا ولا عن السوريين. ربّما ذلك عائد الى أنه جاء الى السلطة عن طريق الخطأ وأعتقد أنه عالم في كلّ المواضيع وأنه تكفي القراءة من الكتاب القديم كي يمضي حياته رئيساً لسوريا.
ما انتهى يوم الثامن عشر من تمّوز- يوليو 2012، هو نظام لم يدرك يوماً أن الهروب الى أمام لا يمكن أن يكون سياسة... وأن لا بدّ من أن يأتي يوم يقول فيه السوريون، مثلما قال قبلهم اللبنانيون: لا وجود لشيء اسمه الأسد الى الأبد!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.