8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أمير الكويت قرّر أخذ المبادرة .. والتصدّي!

ما الذي يجري في الكويت؟ كلّ ما في الأمر أن أمير الدولة الشيخ صباح الأحمد قرّر قبل أيام استخدام صلاحياته المنصوص عنها في المادة 106 من الدستور (تعليق أعمال البرلمان لمدة شهر) ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم. أكّد أمير الدولة أن هناك مرجعية في الدولة لا يمكن أن تسمح باستمرار المزايدات التي يمكن أن تؤدي الى ضياع البلد في ظروف إقليمية وداخلية أقلّ ما يمكن أن توصف به أنها دقيقة. والأكيد أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية والقاضي بإبطال الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في شباط الماضي، زاد المشهد الكويتي تعقيداً، خصوصاً أن المحكمة أعادت الاعتبار الى مجلس الأمّة السابق الذي قرر أمير الدولة حلّه والدعوة الى انتخابات جديدة...
تكمن أهمية حكم المحكمة الدستورية الذي صدر بعيد استخدام الأمير صلاحياته الدستورية في أنه صدر في دولة مثل الكويت. فقد أبطل انتخابات نيابية لأن مرسوم حل المجلس السابق الصادر من أعلى سلطة في البلاد، أي الأمير، شابته أخطاء إجرائية... وهذا أمر يحسب للكويت ولديموقراطيتها. هذا في الجانب القضائي، أما في الجانب السياسي فمهمّ التذكير بأن الانتخابات الأخيرة أخرجت مجلساً للأمة أسوأ من الذي سبقه، خصوصاً أن تلك الانتخابات عمّقت الانقسامات داخل المجتمع وأظهرت الجانب السيئ في الروح القبلية بدل إبراز الجانب الايجابي فيها. أكثر من ذلك، طفت على السطح، من خلال تركيبة المجلس الجديد وممارسات بعض النوّاب، كل الغرائز المذهبية التي كان الكويتيون يعتقدون أنهم في منأى عنها.
ليس مسموحاً في بلد مثل الكويت أن تكون الديموقراطية والانتخابات جسراً الى الفوضى بدل أن تكون جسراً الى البناء والاستقرار. لذلك، كان طبيعياً خروج الشيخ صباح عن موقفه المعهود القائم على التحلي بالصبر الى أبعد حدود وعلّق النشاط النيابي شهراً لعلّ بعض النواب يرتدع عن الذهاب بعيداً في عملية تعطيل النشاط الحكومي من جهة وزرع بذور التفرقة والحقد بين أبناء الشعب الواحد من جهة أخرى.
من الطبيعي أن يقرر أمير الدولة استعادة المبادرة بعدما تبيّن أن المجلس الجديد عاجز عن الاستفادة من تجارب الماضي القريب وفشل خصوصاً في استيعاب أن تعطيل العمل الحكومي دوران في حلقة مقفلة ينعكس سلباً على البلد وعلى كلّ مواطن فيه.
ظهر من تصرفّات بعض النواب أن تبديل الحكومات الكويتية لم يحقّق أي تقدم من أي نوع كان وأن المشكلة ليست مرتبطة بالشيخ ناصر المحمد رئيس الحكومة السابق وحكومته ولا بالشيخ جابر المبارك الذي خلفه. المشكلة مشكلة نوّاب يعتقدون أن الوقت حان لتبديل الدستور والانتقال بالبلد الى نظام جديد مبني على توازنات مختلفة الغلبة فيها للأكثرية التي تسيطر على مجلس الأمّة.
تعاني الكويت بكلّ بساطة من غياب أي تقدّم من أي نوع كان وليس من نظام حكم هو تعاقد اجتماعي بين الأسرة الحاكمة وأهل البلد.
هناك شلل تام في كلّ المجالات. بكلام أوضح، لا مجال لأيّ تقدم من أيّ نوع كان، لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً. على العكس من ذلك، بدأت تظهر أكثر فأكثر نتائج الضغوط التي يمارسها المتزمتون دينياً الذين يسعون الى تغيير طبيعة المجتمع الكويتي المعروف تاريخياً باعتداله وتسامحه وابتعاده عن كل أنواع التطرّف. حتى حفلات الموسيقى والطرب صارت شبه ممنوعة في الكويت. هل كويت اليوم هي الكويت التي عرفناها والتي كانت متقدمة على غيرها من دول المنطقة؟ كانت الكويت في الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي تعطي دروساً لجيرانها ولكلّ دول المنطقة في الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي. يبدو أن عليها اليوم أن تدفع ضريبة كلّ ما حققته من تقدّم في مراحل معيّنة، خصوصاً عندما تصدّى شعبها للغزو العراقي في العام 1990. هل هناك من ينسى، أو يتناسى، أن الكويت ما كانت لتستعيد حريتها وسيادتها لولا الموقف الذي اتخذه رجال كبار يتقدّمهم الأميران الراحلان الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعدالعبدالله، رحمهما الله، والأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد أطال الله عمره؟
بدا في ضوء التجاذبات التي شهدتها جلسات مجلس الأمة الجديد أن المطلوب أكثر من أي وقت مضى، لدى بعضهم، إعادة النظر في النظام السياسي المعمول به. كانت نتائج الانتخابات الأخيرة والممارسات التي تلتها بمثابة تأكيد لوجود جهات تعمل من أجل انقلاب حقيقي يتكفل بنقل الكويت الى المجهول.
ما تصدّى له الشيخ صباح الأحمد هو انقلاب بكلّ معنى الكلمة نظراً الى وجود من يطرح مشروعاً تعتبره مؤسسة الحكم منتقصاً من صلاحياتها. هناك بين النوّاب الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة من طرح سابقاً قيام حكومة شعبية. مثل هذا الطرح مشروع في بلد فيه حياة حزبية حقيقية. في البلدان التي فيها حياة حزبية، لا وجود لقبائل وعشائر وانتماءات مناطقية ولا لأحزاب مذهبية مثل الاخوان المسلمين أو التنظيمات الشيعية التي ولاء بعضها لإيران ليس إلاّ.
تحتاج الكويت في هذه المرحلة الى بعض الهدوء. أراد الأمير توفير هذا الهدوء كي يفكّر الكويتيون مليّاً بما يدور في بلدهم وفي المنطقة والابتعاد عن قصر النظر. فالكويت في حاجة الى عقلاء من مستوى صباح الأحمد من جهة والى التفكير في ما هو أبعد من المناكفات ذات الطابع الشخصي. على سبيل المثال وليس الحصر، أليس مفروضاً أن يطرح كل كويتي على نفسه سؤالاً يتعلّق مثلاً بكيفية تحسين مستوى التعليم بدل التركيز على الفصل بين الذكور والاناث في المدارس والجامعات؟ هل من دول متقدمة من دون مستوى تعليم متطور؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00