8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القرار الاتهامي ثمرة مقاومة اللبنانيين أوّلاً..

كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل ست سنوات محاولة لاغتيال لبنان. نسي الذين خططوا للجريمة وتولوا تنفيذها عبر أدوات معيّنة أن العالم تغيّر. لم يكن صدور القرار الاتهامي في قضية الاغتيال والجرائم الأخرى التي سبقت تلك الجريمة وتلتها سوى دليل على مدى تغيّر المنطقة في سياق التحولات الكبيرة التي شهدها العالم.
أولئك الذين يقفون خلف الجريمة لم يدركوا أن ثقافة الحياة أقوى من ثقافة الموت وأن لبنان قادر على الصمود في وجه أطراف اقليمية لا تعرف سوى سياسة واحدة مبنية على إلغاء الآخر.
لم يدركوا أوّلاً أن التغيّر الذي شهده الشرق الأوسط والعالم جعل بقاء جريمة سياسية بهذا الحجم من دون عقاب أمراً مستحيلاً. باختصار شديد، لم يستوعب الذين خططوا للجريمة والجرائم الأخرى والذين نفذوها أن اغتيال رفيق الحريري في السنة 2005 لن يمرّ مثلما مر اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977. فقد اغتيل جنبلاط وقتذاك من أجل إخضاع لبنان وتدجين أهله.
نجح القتلة في ذلك الى حد كبير. ولكن لفترة معينة فقط. فاتهم في العام 2005 أنه كان عليهم التأقلم مع انتهاء الحرب الباردة وغياب الاتحاد السوفياتي، الذي كان يستطيع في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حماية أنظمة تعتمد سياسة قائمة على الاغتيالات بسبب مصالح مرتبطة به. لم يتعلّم هؤلاء شيئاً من الدرس العراقي ومن العقاب الذي نزل بصدّام حسين نتيجة مغامرته المجنونة في الكويت. يتبين اليوم وكل يوم أن العدالة الدولية، بغض النظر عن الأخطاء الكبيرة التي ترتكبها الولايات المتحدة بين الحين والآخر، تمهل ولا تهمل. في النهاية، يُفترض ألا يغيب عن البال أنه مرّت ثلاثة عشر عاماً على جريمة غزو الكويت قبل أن تقرر الإدارة الأميركية الانتهاء منه ومن نظامه الذي لا يمكن وصفه سوى بـالعائلي- البعثي.
ما لا مفرّ من ملاحظته في ضوء صدور القرار الذي يعطي، الى حدّ كبير، فكرة واضحة عن منفذي الجريمة والجهات التي كلفتهم التنفيذ، أن كل الجرائم التي ارتكبت من أجل التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري لم تؤدِ الى المطلوب. جاء صدور القرار الاتهامي، المتوقع أن يكون على دفعات عدة، ليؤكد أن لا هروب من العدالة وأن الحقيقة لا بدّ أن تظهر بفضل صمود اللبنانيين أوّلاً ورفضهم التراجع عن معرفة الحقيقة من جهة، ووجود عالم جديد صار يتعاطى مع مثل هذا النوع من الجرائم بطريقة مختلفة من جهة أخرى.
أخيراً انتصرت الحقيقة على الذين يحاولون طمسها وذلك على الرغم من كل الدم الذي دفعه اللبنانيون، من العرب الشرفاء حقّاً، بدءاً بمحاولة اغتيال مروان حماده قبل أربعة أشهر من تفجير موكب رفيق الحريري وما تلا ذلك من تفجيرات في مناطق آهلة ذات أكثرية مسيحية بهدف خلق فتنة طائفية... واغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار أمين الجميّل وانطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد. انتصرت الحقيقة على الرغم من محاولة اغتيال وزير الدفاع وقتذاك الياس المرّ والزميلة مي شدياق، وعلى الرغم من افتعال حرب صيف العام 2006 وأحداث مخيم نهر البارد والاعتصام في وسط بيروت لتعطيل الحياة في المدينة والبلد. انتصرت الحقيقة على الرغم من غزوة بيروت والجبل في أيار من العام 2008 بهدف خلق واقع جديد على الأرض. نجح منفذو الغزوة في تدجين وليد جنبلاط ونقله من مكان الى آخر بعدما شعر بأن الوجود التاريخي للدروز في جبل لبنان بات مهدداً من جانب الميليشيا المذهبية التابعة لإيران. في المقابل، صمد أهل بيروت على الرغم من كل الهمجية التي مُورست في حقهم. وصمد المسيحيون على الرغم من انقلاب الأداة لدى الأدوات التي اسمها النائب ميشال عون الذي حاول أن يكون رأس جسر للنظامين في إيران وسوريا داخل مناطقهم. أكثر من ذلك، صمد اللبنانيون على الرغم من نجاح النظام السوري وحزب الله في تشكيل حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي تشبه كل شيء ما عدا نجيب ميقاتي وطريقة تفكيره...
يندرج معظم ما حدث في لبنان خلال السنوات الأخيرة في سياق مقاومة المحكمة الدولية التي شكلها مجلس الأمن للنظر في جريمة اغتيال رفيق الحريري. يعني صدور القرار الاتهامي أوّل ما يعني أن لا حدود لصمود اللبنانيين وإصرار المجتمع الدولي على كشف الحقيقة... وأن رهان رفيق الحريري على بيروت كان في محله. بيروت انتفضت من أجل رفيق الحريري في سنة 2005. انتفض معها كل الشرفاء في لبنان، من الناقورة في أقصى الجنوب الى النهر الكبير في أقصى الشمال. بيروت كات بالفعل وفية للرجل الذي أعاد توحيدها وحولها لؤلؤة البحر المتوسط، وأعاد لبنان الى خريطة الشرق الأوسط والعالم. أوليس صدور القرار الاتهامي تكريساً لكون لبنان بلداً قابلاً للحياة يرفض شعبه أن يكون تابعاً لا أكثر ولا أقلّ!
سيتابع لبنان مقاومته. سيتمسك اللبنانيون بمعرفة الحقيقة. إنهم يعرفون أن منطق التاريخ لمصلحتهم. لو لم يكن الأمر كذلك، لكانت برلين الشرقية هي التي التي انتصرت على برلين الغربية وليس العكس.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00