8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ميوعة أميركية... أم تحضير لشيء ما؟

تطرح التصرفات الأخيرة للإدارة الاميركية مجموعة من الأسئلة، خصوصاً بعدما بذل الرئيس باراك أوباما جهوداً لإعادة مد الجسور مع بنيامين نتنياهو. حصل ذلك من دون أن يبدر عن الأخير أي ميل لتغيير مواقفه. لم يأتِ بيبي حتى على ذكر عبارة الدولة الفلسطينية في التصريحات التي أدلى بها في العاصمة الأميركية!
بات السؤال المطروح بعد مغادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن: هل هناك ميوعة أميركية... أم هناك تحضير لشيء ما كبير في منطقة الشرق الأوسط حيث تواجه إدارة أوباما أوضاعاً معقدة يمكن أن تكلف الرئيس أوباما الكثير بما في ذلك تحوله الى رئيس لولاية واحدة فقط؟ من يتمعن في نتائج الزيارة، يتوقف عند تطورين مهمين. يتمثل التطور الأول في عودة العلاقات الى طبيعتها بين باراك أوباما ونتنياهو وذلك بعد فترة جفاء استمرت أشهراً عدة. يبدو جلياً أن الرئيس الأميركي وجد، لأسباب داخلية قبل أي شيء آخر، وربما خارجية أيضاً، أن ليس في مصلحته الدخول في مواجهة شخصية مع بيبي. كانت النتيجة أنه امتدحه وصافحه بحرارة في حين اتسم اللقاء ما قبل الأخير بينهما بمقدار كبير من الجفاء والمرارة، خصوصاً بعدما فوجئ نائب الرئيس جو بايدن بالإعلان عن مشاريع بناء جديدة في القدس خلال وجوده في إسرائيل.
أما التطور المهم الآخر الذي تمخض عن الزيارة فيتمثل في أن الرئيس الأميركي وضع العلاقة مع إسرائيل في إطار الشرق الأوسط الكبير والمشاكل التي تواجه الولايات المتحدة في المنطقة، خصوصاً في العراق وأفغانستان وفي مجال العلاقة مع إيران. وكان لافتاً قول أوباما للتلفزيون الإسرائيلي، في أول مقابلة له معه منذ دخوله البيت الأبيض، أنه لا يعتقد أن إسرائيل ستهاجم إيران من أجل تأخير برنامجها النووي من دون تنسيق مع الولايات المتحدة. بدا واضحاً أن الرئيس الأميركي يخشى إقدام إسرائيل على مغامرة من نوع مهاجمة إيران بما يؤدي الى مزيد من التعقيدات في المنطقة. سعى أوباما الى طمأنة إسرائيل، التي خلقت لنفسها هاجس ما يسمى القنبلة النووية الإيرانية، وذلك عندما أكد عبر إحدى قنواتها التلفزيونية، أن إيران لا تزال تشكل بالنسبة اليه أولوية الأولويات. ما الذي يفعله الرئيس الأميركي باستثناء أنه يحاول كسب الوقت من أجل التفكير ملياً في كيفية الخروج من المستنقعات التي غرقت فيها بلاده في الشرق الأوسط من دون الاضطرار الى خوض حرب جديدة؟
ربما كان باراك أوباما يستهدف من الاستقبال الحار الذي خص به بيبي إقناع إسرائيل بأن لا فائدة من توجيه ضربة الى إيران وأن مثل هذا العمل يرقى الى نوع من الجنون إضافة الى أنه يزعزع الاستقرار النسبي الذي تنعم به المنطقة. أكثر من ذلك، إن مثل هذا العمل المتهور يعرض القوات الأميركية المنتشرة في ما يسمى الشرق الأوسط الكبير الممتد من أفغانستان الى الصحراء الافريقية الى شتى أنواع المخاطر. وربما كان الرئيس الأميركي يبذل محاولة أخيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل إقناعه أيضاً بأن العقوبات تظل أفضل طريقة لاستيعاب الخطر الإيراني، أقله في المدى المنظور. وربما يحاول أخيراً إقناع شخص متحجر مثل بيبي نتنياهو بأن ايجاد تسوية مع الفلسطينيين على أساس خيار الدولتين تخدم الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وتخفف من العداء العربي والإسلامي لسياسات واشنطن.
تخلي أوباما عن فكرة إمكان ممارسة أي نوع من الضغوط على إسرائيل، يترك لبيبي الإقدام على خطوات تصب في مصلحة المفاوضات المباشرة من دون أن يلتزم الأخير تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، علماً أن تجميد الاستيطان شرط لا بدّ منه في حال كانت إسرائيل تريد بالفعل السلام وإنهاء احتلالها للأرض. يبدو الرئيس الأميركي متجهاً الى كل أنواع المساومات، بما في ذلك مع كوريا الشمالية التي لم يأت مجلس الأمن على ذكرها بالاسم لدى اتخاذه، قبل أيام قليلة، موقفاً من الهجوم الذي تعرضت له سفينة حربية كورية جنوبية. تجاهل مجلس الأمن، بموافقة أميركية، كوريا الشمالية على الرغم من أن كل الأدلة تشير الى أنها وراء الهجوم الذي أوقع قتلى بين أفراد طاقم السفينة.
ميوعة مع بيبي نتنياهو ومساومات مع كوريا الشمالية. ماذا يمكن تسمية الصفقة مع روسيا التي شملت تبادل أربعة عشر جاسوساً في أول عملية من نوعها منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي؟ من الصعب ايجاد تسمية للصفقة باستثناء أن الإدارة الأميركية التي اكتشفت عشرة جواسيس روس يقيمون على أرضها منذ سنوات طويلة، وجدت أن من الأفضل لها لفلفة الموضوع خدمة للمصلحة العليا للدولة. جرى تبادل للجواسيس بين الجانبين وتبين أن روسيا تريد تفادي أي مشكلة من أي نوع كان مع الأميركيين...
هناك أمور غريبة تحصل في الوقت ذاته. تقبلت إدارة أوباما كل أنواع الإهانات الإسرائيلية وصارت فجأة تعتمد على حسن النية لدى بيبي نتنياهو. هل هناك أثر لحسن النية لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يؤمن بتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية؟ فجأة، صار مطلوباً تحييد كوريا الشمالية التي اعتبر مندوبها في الأمم المتحدة ما حصل في مجلس الأمن انتصاراً سياسياً كبيراً لبلاده. لم يعد وارداً الدخول في أي مواجهة مع روسيا. ليس وارداً حتى التحقيق مع جواسيسها لمحاولة معرفة حجم المعلومات التي حصلوا عليها ومدى إضرارها بالأمن الأميركي. إنها مواقف محيرة لإدارة تبدو وكأنها لا تعرف ماذا تريد... أو ربما تعرف ذلك أكثر من اللزوم. ثمة من يعتقد أن الرئيس الأميركي يريد التهدئة ولا شيء غير التهدئة في هذه المرحلة كي يقرر قريباً ما الذي يجب عليه أن يفعله بديلاً من الاستمرار في سياسة إدارة الأزمات. اللهم إلا إذا كانت إدارة الأزمات سياسة في حد ذاتها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00