حمى لبنان نفسه في مجلس الامن لدى طرح موضوع الدفعة الرابعة من العقوبات على ايران. استطاع لبنان تمرير عملية التصويت على القرار الرقم 1929 بأقل مقدار ممكن من الخسائر والأضرار. اكّد، عبر امتناعه عن التصويت، وهو قرار حكيم قبل اي شيء آخر، ان الأولوية في المرحلة الراهنة هي للمحافظة على السلم الأهلي والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الحساسيات بين الطوائف والمذاهب في انتظار اليوم الذي يكتشف فيه الجميع ان لا فائدة من السلاح، اي سلاح، متى كان خارج المؤسسات الوطنية. اي خارج سيطرة الجيش وقوى الامن الداخلي وذلك بغض النظر عن الشعارات الكبيرة التي ترفع من هنا او هناك لتبرير تخزين السلاح... واستخدامه عمليا في السعي الى السيطرة على قرارات الدولة.
المهم في المرحلة المقبلة ان يستمر لبنان في سياسة حماية نفسه من الخضات التي تبدو المنطقة مقبلة عليها، خصوصا في حال بقي التصعيد سيد الموقف بين ايران من جهة والمجتمع الدولي من جهة اخرى. ما لايمكن الاستخفاف به ان القرار 1929 حظي بتاييد كل الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن بمن فيها روسيا والصين. وهذا تطور في غاية الاهمية، خصوصا بعد سعي تركيا والبرازيل الى ايجاد صيغة تفاهم مع ايران لم تلق التجاوب المطلوب من الادارة الاميركية والدول الاوروبية المعنية على رأسها المانيا وفرنسا وبريطانيا. وما قد يكون أهم من ذلك، ان ادارة الرئيس أوباما نجحت بالطرق الديبلوماسية في استمالة روسيا والصين. وهذا يعني في طبيعة الحال ان هذه الادارة ليست ضعيفة كما يتصور كثيرون، بمن فيهم ايران. فالقرار 1929 يمثل اول نجاح كبير للإدارة، على الصعيد الخارجي، بعد تمريرها قانون الرعاية الصحية الذي يشكل بالنسبة اليها إنجازا استثنائيا على الصعيد الداخلي.
ليس أمام بلد صغير مثل لبنان لا طموحات له غير المحافظة على الاستقرار الداخلي وإعادة بناء نفسه، على العكس من بلدين كبيرين ومهمين مثل تركيا وايران، سوى تمرير الوقت والصلاة. الصلاة من اجل ان يكون القرار الاخير الصادر عن مجلس الامن فرصة كي تعيد ايران النظر في مواقفها بعيدا عن اي نوع من انواع التصعيد. لا يمكن للبنان لأي دولة عربية الاستفادة من اي مواجهة تحصل مع ايران، خصوصا ان اسرائيل تسعى الى مثل هذه المواجهة التي ستكون لها انعكاسات سلبية على كل دول المنطقة.
في المقابل، يفترض في ايران، التي يحق لها من دون شك ان تمتلك برنامجا نوويا سلميا، فهم القرار الاخير لمجلس الامن بطريقة مختلفة. وهذا يعني انه بدل متابعة لغة التحدي، عليها التساؤل: لماذا انضمت روسيا والصين الى المطالبين بحزمة عقوبات جديدة تستهدفها ولماذا الجدية الروسية في التزام العقوبات واعلان رئيس الوزراء فلاديمير بوتين من باريس تجميد بيعها صواريخ من طراز اس-300 ؟ الجواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة ان المجتمع الدولي اراد ابلاغ طهران ان باب الحوار لم يغلق بعد وانه ليس على استعداد للانصياع بشكل اوتوماتيكي للرغبات الاسرائيلية في المواجهة العسكرية. كل ما ارادت الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن، زائد المانيا، قوله انها تفضل التوصل الى تسوية مع ايران، لكنها لن تقبل في الوقت ذاته بالسماح لها بامتلاك السلاح النووي. كيف سترد ايران على العرض الدولي الجديد؟
من حق لبنان واي دولة عربية اعتماد الحذر الشديد. ومن حق الدول العربية دعوة ايران الى اعتماد سياسة المنطق بديلا من سياسة التحدي. نعم، ان ايران قوية في العراق، بل قوية جدا هناك بدليل ان لا حكومة عراقية جديدة من دون ضوء اخضر منها. كذلك، تعتبر ايران قوية في لبنان وغير لبنان وهي تتدخل في غير منطقة عربية، بما في ذلك اليمن. ولكن في مرحلة معينة، لا بد من تسوية ما مع المجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة. مثل هذه التسوية تخدم الجميع، خصوصا الدول العربية في المنطقة. ولذلك، كان موقف لبنان الممتنع عن التصويت على قرار مجلس الامن بمثابة رسالة الى طهران فحواها ان العرب ليسوا ضدها... لكنهم ليسوا في الوقت ذاته مع اي سياسة لا تؤدي سوى الى انفجار اقليمي يدفع ثمنه جميع اهل المنطقة من عرب وغير عرب !
ان موقف لبنان الذي تولى ترجمته السفير نواف سلام المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة يشير الى ان هناك في المنطقة من يعي تماما خطورة استمرار التصعيد بين ايران والمجتمع الدولي ولماذا لا يمكن لمثل هذا التصعيد ان يخدم اي دولة من دول المنطقة. كان الموقف اللبناني في غاية الشجاعة، خصوصا متى اخذنا في الاعتبار حجم الضغوط التي يتعرض لها الوطن الصغير المطلوب منه ان يكون راس الحربة في محور يعتاش من استمرا حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة الى ما لا نهاية.
كلّ ما اراد لبنان قوله بصفة كونه يمثل المجموعة العربية في مجلس الامن انه على استعداد للذهاب بعيدا في الدفاع عن مواقفه والمواقف العربية. ربما على النظام في ايران ان يفكر مليا في معنى وجود تلك الجبهة العالمية العريضة في مواجهة المشروع النووي الايراني. هل صدفة التقاء الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن ومعها المانيا عند نقطة معينة تتمثل في تشديد العقوبات على ايران؟ ام يعتقد ان في استطاعته الرد في العراق او في اماكن اخرى في المنطقة وصولا الى غزة واليمن وحتى لبنان وافغانستان؟
اذا كان من درس يمكن للنظام الايراني استخلاصه من تصويت مجلس الأمن، خصوصا من الموقف اللبناني، فانّ هذا الدرس يتلخص في ان قنوات الحوار لا تزال مفتوحة بين المجتمع الدولي وطهران وان الموقف التركي الرافض للعقوبات ليس سوى تعبير عن ذلك شرط التزامه الشفافية والتخلي عن المناورات التي لا جدوى منها. الكرة في الملعب الايراني لا اكثر ولا اقلّ...









يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.