8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مخاطر التركيز على غزة وحدها...

بالمفهوم السياسي، تبدو الجهة التي تقف وراء عملية أسطول الحرية الذي كانت سفنه تنقل مساعدات إنسانية الى غزة موفقة في ما فعلته. كان الرهان رابحاً في كل الأحوال. لو وصلت تلك المساعدات الى القطاع، لكان في استطاعة الجهة المنظمة للرحلة إعلان نجاحها في فك الحصار الظالم الذي تتعرض له غزة وأهلها. الآن، وبعدما مارست إسرائيل إرهاب الدولة واعترضت السفن وقتلت من قتلت واعتدت على من اعتدت، حققت الجهة المنظمة نجاحاً من نوع آخر بجعلها العالم يقف، ربما للمرة الأولى، في وجه السياسة التي تمارسها حكومة بنيامين نتنياهو بدعم داخلي واضح من وزير الدفاع ايهود باراك زعيم حزب العمل، الحزب الثالث في إسرائيل بعد ليكود وكاديما. أكثر من ذلك، اضطر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى الدعوة الى فك الحصار عن القطاع، معلناً بشكل مباشر أن إسرائيل دولة خارجة عن القانون. ربما كان ما ذهب اليه بان يمثل أقصى ما يستطيع أن يفعله شخص في موقعه، عليه أن يوفق بين مواقف مئة واثنتين وتسعين دولة أعضاء في المنظمة الدولية.
ربح منظمو عملية أسطول الحرية الجولة نظراً الى أنهم راهنوا على أن إسرائيل ستخرج خاسرة من أي مواجهة مع مجموعة غير مسلحة، كما أنها ستخسر في حال السماح لأفراد هذه المجموعة بفك الحصار عن غزة. كشفت إسرائيل أنها دولة لا تمتلك مشروعاً سياسياً قابلاً للحياة على علاقة بالعصر من قريب أو بعيد. وهذا يعني في طبيعة الحال أن السؤال المطروح الآن كيف البناء على ما تحقق، بما في ذلك على تدهور العلاقات التركية- الإسرائيلية بما يساعد في تحقيق الحلم الفلسطيني المتمثل في إقامة الدولة المستقلة التي عاصمتها القدس الشرقية. هل من مشروع آخر يمكن أن يفكر فيه الفلسطينيون في ظل موازين القوى القائمة حالياً في العالم والمنطقة في حال كانوا يريدون التعاطي مع الواقع وليس مع الأوهام؟
من السهل الاكتفاء بالانتصار الذي تحقق والذي دفع ثمنه تسعة مواطنين من تركيا قاوموا بأجسادهم العارية الجنود الإسرائيليين الذين اعترضوا سفن أسطول الحرية. لا شك أن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كان أول من التقط معنى الرسالة بفضل حسه السياسي المرهف ومعرفته العميقة بأحوال المنطقة والتوازنات السائدة اقليمياً، فتوجه الى تركيا للقاء رئيس الوزراء فيها رجب طيب أردوغان والبحث في الخطوات المستقبلية وتعزيته بالشهداء الذين سقطوا من أجل رفع الظلم عن أهل غزة...
جاءت الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل لتؤكد أن تحولاً تاريخياً طرأ على السياسة التركية التي لعبت دور رأس الحربة في السعي الى فك الحصار عن غزة. ولكن لا بدّ في الوقت نفسه من التفكير في المستقبل وفي أن إسرائيل غير مهتمة بالسلام وبالدور التركي، وأن كل ما تريده هو تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. قالت إسرائيل بوضوح إن كل همها محصور في متابعة حصارها لغزة من جهة وتفادي الدخول في أي مفاوضات جدية على أسس واضحة مع الفلسطينيين من جهة أخرى. تستخدم إسرائيل غزة للهرب من الاستحقاق الحقيقي المتمثل في تحقيق تسوية تستند الى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض في مقابل السلام. هل هناك وعي عربي لمخاطر التركيز على غزة بدل البحث في كيفية معالجة القضية الفلسطينية ككل؟
من هذا المنطلق، يبدو أفضل ردّ على ما ارتكبته حكومة نتنياهو انخراط جميع الفلسطينيين في المشروع السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يقوم على خيار الدولتين والاستفادة في الوقت ذاته من الدعم التركي لهذا المشروع الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي. سيتبين عاجلاً أم آجلاً هل يمكن اعتبار تركيا طرفاً جدياً يمكن الاعتماد عليه ام لا؟...
كي لا تذهب دماء الشهداء الذين سقطوا من أجل فكّ الحصار عن غزة هباء، لا مفر من البحث في كيفية الاستفادة من الدعم التركي وتوظيفه في مصلحة القضية الفلسطينية. إن ثقل تركيا لا يعود الى أنها عضو في حلف شمال الأطلسي وأنها تحتل موقعاً استراتيجياً لا غنى للحلف عنه فحسب، بل هناك أيضاً حاجة أميركية دائمة الى تركيا. هل من يريد أن يتذكر أن الولايات المتحدة دعمت دائماً انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي وأنها اعترضت بشدة على الموقف الفرنسي المعارض لذلك؟ ثمة موقع خاص لتركيا في إطار الاستراتيجية العسكرية والسياسية للولايات المتحدة. لماذا لا يستفيد العرب والفلسطينيون من هذا الموقع بدل الاكتفاء بالتصفيق لرئيس الوزراء التركي على مواقفه الأخيرة من غزة والقدس والقضية الفلسطينية عموماً؟
ما يفترض أن لا يغيب عن بال أي عربي أو فلسطيني أن حصر إسرائيل القضية في حصار غزة ليس مفيداً. تستطيع حكومة نتنياهو الادعاء في كل لحظة أن هناك ما يبرر الحصار، خصوصاً أنها انسحبت، من جانب واحد، من القطاع صيف العام 2005 وفككت المستعمرات التي أقامتها في غزة... وعلى الرغم من ذلك، استمر إطلاق الصواريخ كما لا يزال في الأسر داخل غزة نفسها، منذ حزيران - يونيو 2006، جندي إسرائيلي يدعى جلعاط شاليط.
تقضي المصلحة تفادي السقوط في اللعبة الإسرائيلية والتركيز بدل ذلك على القضية ككل، أي على كيفية زوال الاحتلال عن الضفة الغربية وإنهاء الحالة الشاذة المتمثلة في وجود كيانين فلسطينيين أحدهما في الضفة والآخر في غزة لكل منهما حكومته وأجهزته الأمنية. متى حصل ذلك، تصبح السياسة العدوانية الإسرائيلية كلها محاصرة. عندئذ، ينقلب السحر على الساحر. ولا شك أن الثقل التركي سيكون له دوره في إزالة بعض الظلم التاريخي اللاحق بالشعب الفلسطيني وليس بأهل غزة وحدهم. المسألة مسألة وقت فقط يظهر بعدها هل الرهان على تركيا في محله، أم أن كل ما في الأمر أن العرب يبحثون عن بطل ليس إلاّ.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00