8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مشكلة إيران في مكان آخر

لا شك أن النظام في إيران ناور بشكل جيّد وحاول كسب بعض الوقت في سبيل تفادي مزيد من العقوبات الدولية بسبب برنامجه النووي الذي يجهل العالم الأهداف الحقيقية من وراء الإصرار عليه وعلى رفض الرقابة الدولية في الوقت نفسه. يبدو أن إيران، في ضوء الاتفاق الذي وقعته مع تركيا والبرازيل، باتت تمتلك خط دفاع عن مواقفها. لكن هذا الخط لا يبدو كافياً لتفادي العقوبات الجديدة بدليل أن الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في المجلس تسير في هذا الاتجاه. حتى الأمس القريب، كانت الصين مترددة في الذهاب بعيداً في فرض عقوبات جديدة. لكن موقف بيجينغ الداعم لطهران، بدأ مع الوقت يميل شيئاً فشيئاً نحو مزيد من التفهم للموقفين الأميركي والأوروبي... أما روسيا، فقد أظهرت أخيراً بعض الحماسة في اتجاه مسايرة الأوروبيين والأميركيين مع ميل الى دعم عقوبات جديدة وإن ضمن حدود معينة. عملياً، أوجدت إيران مبرراً كي يطرأ تغيير على الموقفين الروسي والصيني.
هل مشكلة إيران الحالية مع العالم ومع محيطها مرتبطة بالملف النووي وحده؟ يبدو أن طهران ترفض الاعتراف بأن الملف النووي يمثل جانباً من المشكلة فقط. يكفي أن المفاعل النووي الذي تبنيه إيران يقع في منطقة بوشهر القريبة من الضفة الأخرى من الخليج العربي، كي يشعر كل مواطن خليجي بالقلق، خصوصاً في الكويت. هناك مخاطر كبيرة لدى أهل الخليج من أي تسرب في مفاعل بوشهر أو أي عطل يؤدي الى تلويث البيئة في المنطقة. الكويت أقرب الى بوشهر من أي مدينة إيرانية أخرى. ليست الكويت وحدها مهددة. هناك إجماع على أن المفاعل الإيراني يشكل خطراً على المنطقة كلها في غياب الرقابة الدولية وفي غياب الشفافية التي تسمح بالتأكد من أن المفاعل مبني استناداً الى مواصفات معينة تأخذ في الاعتبار معايير السلامة المعتمدة دولياً.
ثمة جانب آخر من المشكلة تطرحه طريقة التعاطي الإيرانية مع الملف النووي. ليس ما يشير الى أن هناك رغبة واضحة في تفادي انتاج قنبلة نووية تستخدم رافعة لدعم السياسة الإيرانية في المنطقة. أقل ما يمكن قوله في هذا المجال إن السياسة الإيرانية المستندة الى الغموض تثير قلقاً كبيراً من المحيط الى الخليج نظراً الى اعتمادها على إثارة الغرائز المذهبية واستغلالها في مجال تحقيق أهداف سياسية. لن تؤدي القنبلة النووية الإيرانية الى سباق تسلح في المنطقة فحسب، بل ستثير في الوقت ذاته مخاوف لدى دول عدة تعرف تماماً أن القنبلة الإيرانية لن تستخدم ضد إسرائيل وإنما لتخويف العرب وإثبات عجزهم. إنها تتمة لعملية خطف القضية الفلسطينية والمزايدة على العرب والفلسطينيين أنفسهم عن طريق رفع شعارات من نوع إزالة إسرائيل من الوجود. لا يمكن لإيران أن تستخدم القنبلة ضد إسرائيل التي تمتلك ما بين مئتين وثلاثمئة رأس نووي. إيران لا تقاتل إلاّ بأجساد الآخرين، بأجساد اللبنانيين والفلسطينيين، على سبيل المثال وليس الحصر. أكثر من ذلك، يظلّ أخطر ما في القنبلة الإيرانية أنها ستثير سباق تسلح في المنطقة لا يمكن أن يستفيد منه أي طرف. هل يمكن أن تكون إيران دولة نووية وأن تقف كل من تركيا ومصر والسعودية مكتوفة؟
فشل الاتفاق الإيراني- التركي- البرازيلي، أقله الى الآن، في تأجيل المواجهة بين إيران من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى وفي تأجيل حزمة جديدة من العقوبات يتبين كل يوم أن إيران غير قادرة على تحملها. ستبقى مشكلة إيران مع المنطقة والمجتمع الدولي تراوح مكانها في غياب الرغبة في التصرف كدولة عادية وليس كقوة اقليمية مهيمنة. لا يمكن للعرب أن يقبلوا بهيمنة إيرانية عليهم. لا يمكن للبناني، بغض النظر عن مذهبه، إلاّ أن يكتشف، عاجلاً أم آجلاً، أن اللعبة التي تمارسها إيران في بلاد الأرز تصب في مصلحة إسرائيل عبر جعلها تظهر في مظهر الدولة المهدَدة، في حين أن إسرائيل دولة تمارس، عبر إصرارها على احتلال الأرض، الإرهاب. ولا يمكن للفلسطيني إلاّ أن يدرك، في وقت ما، أن كل ما تشجع عليه إيران، أكان ذلك عبر دعم فوضى السلاح أو حركة حماس أو منظمات أخرى مفلسة سياسياً، إنما هو نشر البؤس واستمرار الانقسامات على الصعيد الفلسطيني. إن كل دولة من دول المنطقة تشعر بأنها مهددة من إيران التي تريد أن تكون شريكاً للولايات المتحدة في العراق واستغلال نفط العراق وأن تؤكد لكل الدول المسالمة في الخليج، وصولاً الى اليمن، أنها تمتلك مفتاح الاستقرار داخل هذه الدول...
سيأتي يوم تظهر فيه حدود الدهاء الإيراني. لم يسقط صدّام حسين لأنه تجرأ على تلك المغامرة المجنونة في الكويت صيف العام 1990 فحسب، بل سقط أيضاً وخصوصاً لأنه لم يفهم أن لا مجال للعب أدوار اقليمية تفوق حجم العراق...
لا مجال، طبعاً، للمقارنة بين غباء صدّام والقدرة الإيرانية على المناورة. هذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أن إيران لم تعد تعرف أين يجب أن تتوقف. توحي تصرفاتها الأخيرة، بما في ذلك طريقة ردها على الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها لم تعرف أن هناك حدّاً لا بدّ من التوقف عنده وأن احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث لا يمكن تسميته بشيء آخر غير كلمة احتلال. لا وجود لاحتلال ظريف وآخر كريه. الاحتلال هو الاحتلال.
بكلام أوضح، لن يحل الاتفاق الأخير مع تركيا والبرازيل مشكلة إيران. مشكلة إيران في مكان آخر، بما في ذلك استخفافها بموقف المجتمع الدولي من برنامجها النووي. في النهاية، هل مسموح لدولة من دول المنطقة يعيش القسم الأكبر من شعبها تحت خط الفقر أن تمد يدها الى خارج حدودها الى ما لا نهاية...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00