8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إيران قوية أم ضعيفة في العراق؟

اي عراق بعد شهرين ونصف شهر من الانتخابات؟ كان مفترضا ان تكون الانتخابات محطة اساسية، بل نقطة تحول في اتجاه تحديد اي عراق يريده العراقيون. فازت في الانتخابات القائمة العراقية التي كان على رأسها الدكتور اياد علاوي الذي يؤمن بأن العراق يتسع لجميع ابنائه، وان في الامكان اعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية على اسس سليمة في ظل قانون واحد وعصري لا يفرّق بين عراقي وآخر بغض النظر عن الطائفة او المذهب او المنطقة التي يمكن ان ينتمي اليها هذا المواطن او ذاك.
بعد فترة قصيرة، تميزت بالهدوء النسبي وتراجع حدة المناكفات بين السياسيين، جرت الانتخابات في اجواء شبه معقولة. لم تحل العمليات الارهابية التي شهدتها مناطق عراقية عدة، على رأسها بغداد، دون توجه العراقيين الى صناديق الاقتراع رافضين الرضوخ للابتزاز الارهابي من جهة ومن اجل التعبير عن وجود هوية وطنية عراقية من جهة اخرى. ليس سرا ان قليلين كانوا يتوقعون تقدم العراقية على لائحة دولة القانون التي يتزعمها رئيس الوزراء السيد نوري المالكي. كان تقدم العراقية التي ارتبط اسمها بأياد علاّوي دليلا على ان الشعب العراقي لا يزال يمتلك القدرة على المقاومة ورفض كل ما يمت بصلة للمذهبية والطائفية والمناطقية. بكلام اوضح، اراد العراقيون القول انهم يؤمنون بالعروبة المنفتحة على الاخر وان هذه العروبة التي تعترف بوجود قوميات مختلفة في العراق ضمانة للجميع. اكثر من ذلك، تشكل هذه العروبة المنفتحة المرتبطة بكل ما هو حضاري في العالم الدرع الاقوى في مواجهة المد الايراني وكل انواع التدخلات الخارجية في العراق.
كان الردّ الايراني على نتائج الانتخابات سريعا. هناك فيتو على اياد علاّوي. سبب الفيتو ان رئيس الوزراء السابق ليس تابعا لأي حزب مذهبي ولم يكن خلال فترة النضال من اجل اسقاط النظام العائلي - البعثي الذي كان على رأسه صدّام حسين لاجئا لدى الايرانيين. كذلك، لم يقاتل اياد علاّوي ضد العراق خلال حرب الخليج الاول بين العامين 1980 و1988 وذلك على الرغم من ان صدّام يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية اندلاع تلك الحرب المدمرة التي عادت بالويلات على العراقيين والايرانيين في ان. ولكن، على الرغم من الاخطاء الكبيرة التي ارتكبها صدّام في تلك المرحلة، احترم اياد علاّوي نفسه ولم يقاتل ابناء شعبه. انها الوطنية العراقية بامتياز التي عبّرت عنها شخصيات كثيرة ظلمها النظام العائلي ـ البعثي، لكنها ابت الدخول في الحرب الى جانب النظام في ايران والاجهزة التابعة له. لا تكمن المشكلة في التركيز الايراني على الرجل فحسب بمقدار ما انها ايضا تعبير عن رغبة ايرانية في وضع اليد على العراق واختيار من يحق له ان يكون رئيسا للوزراء في هذا البلد المهم الذي تختزن ارضه ثاني اكبر احتياط نفطي في العالم. انها عودة الى المربع الاوّل الذي رسمته الحرب الاميركية على العراق. انها بصراحة عودة الى واقع لا بدّ من الاعتراف به يتمثل في ان هذه الحرب اسفرت عن منتصر واحد وحيد هو ايران التي تمددت في كل المناطق العراقية، خصوصا في الجنوب وبغداد، فيما بقيت المنطقة الكردية خارج دائرة نفوذها الى حدّ كبير.
من الواضح انّه كان مفترضا في الانتخابات الاخيرة ان تهيئ لانتقال العراق الى مرحلة جديدة يكون خلالها مستعدا لانسحاب القوات الاميركية من اراضيه السنة المقبلة. المؤسف ان الانتخابات التي كانت الامال معلقة عليها من اجل استعادة المؤسسات العراقية في ظل حكومة متوازنة، تحولت الى منعطف في غاية الخطورة. كشفت الانتخابات قبل كل شيء وجود رغبة للسيد المالكي في الاحتفاظ بالسلطة بغض النظر عما يقرره الشعب عبر صناديق الاقتراع. يبدو ان هناك صدّاما صغيرا داخل كل سياسي عراقي، او لنقل داخل معظم العراقيين. ولكن ما قد يكون اخطر من ذلك، الاصرار الايراني على وضع العراق، باستثناء المنطقة الكردية، تحت هيمنة طهران.
كان التنافس بين مجموعتين شيعيتين كبيرتين، احداهما بقيادة المالكي والاخرى بقيادة المجلس الاعلى والتيار الصدري ظاهرة صحية، خصوصا في ظل وجود لائحة اياد علاّوي التي ضمت شخصيات من كل الطوائف والمذاهب. لكن وضع ايران ثقلها خلف الحلف المصطنع بين لائحة دولة القانون ولائحة الائتلاف قطع الطريق على اي نوع من انواع التفاؤل بمستقبل افضل للعراق وبكسر الحواجز الطائفية والمذهبية بما يؤمن انتصار العقل على الغريزة.
على العكس من ذلك، شرّع التدخل الايراني الفظ في العراق الابواب امام طرح الاسئلة الكبيرة من نوع اين يمكن ان يتوقف التدخل الايراني... او على الاصح هل من حدود للطموح الايراني بالسيطرة على العراق؟ ولعل السؤال الكبير الاهمّ ماذا سيحل بالعراق بعد الانسحاب العسكري الاميركي الذي يحول في الوقت الراهن اندلاع حرب اهلية تتخذ طابعا مذهبيا؟
كل ما يمكن قوله، ان الاميركيين دمروا العراق. لا يعني ذلك ان في الامكان الدفاع عن نظام صدّام بأي شكل من الاشكال، خصوصا انه ساهم في تدمير النسيج الاجتماعي للبلد عبر القمع من جهة ومغامرتيه المجنونتين مع ايران والكويت من جهة اخرى. ولكن هل لا يزال في الامكان لملمة العراق واعادة تركيبه من دون المساس بوحدة اراضيه...
شيئا فشيئا، يعود التشاؤم سيّد الموقف في العراق. كان فوز العراقية في الانتخابات يجسّد الامل، الى ان تبين ان الوضع في هذا البلد الذي يشكل ركيزة من ركائز النظام الاقليمي فيه لا يبدو قابلا للاصلاح، اقلّه في المدى المنظور. لا يريد الايرانيون شريكا في العراق. صار ذلك واضحا. ولكن هل مسموح لإيران ان تستمر في اعتماد مثل هذه السياسة الهجومية طويلا؟ اوليس ذلك دليل ضعف اكثر مما هو دليل قوة ما دامت وجدت نفسها، هي التي تعاني مشاكل داخلية ضخمة، مضطرة الى كشف كل اوراقها في هذا البلد النفطي الذي كان من المؤسسين لجامعة الدول العربية!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00