من يدعو الفلسطينيين الى مقاطعة المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين، انما يدعوهم الى الانتحار لا اكثر. هذا لا يعني ان هناك ما يدعو الى التفاؤل المطلق بنتائج المفاوضات، خصوصا ان الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتانياهو لا تريد في الاصل التفاوض. واذا فاوضت هذه الحكومة، يبدو همها محصورا في تمرير الوقت بغية تفادي أي تسوية من أي نوع كان، خصوصا اذا كان الهدف منها زوال الاحتلال. مع ذلك، تبدو المفاوضات ذات فائدة للجانب الفلسطيني على الرغم من كل ما يقال عن انها لن تؤدي الى أي مكان على الصعيد العملي.
قبل كل شيء، يتوجب على الجانب الفلسطيني البحث في الاسباب التي ادت الى تدهور وضعه في السنوات الاخيرة وما هي الوسائل الكفيلة بتحسين هذا الوضع؟ هل من سبيل اخر، في المرحلة الراهنة، غير العمل السياسي الذي جاء تتويجا لنصف قرن من النضالات واجه الفلسطينيون خلالها المحتل الإسرائيلي بكل انواع الاسلحة والعمليات من داخل الارض الفلسطينية وخارجها؟
من بين الاسباب التي ادت الى تدهور الوضع الفلسطيني عموما، بما هدد القضية التي يقول عرب كثيرون انها لا تزال قضيتهم الاولى، على الرغم من عدم ايمانهم بذلك، الوضع الاقليمي. هناك شرق اوسط جديد في مرحلة اعادة التكوين، خصوصا منذ الاحتلال الأميركي للعراق الذي اخلّ بالتوازن في المنطقة لمصلحة إيران. شئنا أم ابينا، كانت إيران الرابح الاول والوحيد من الحرب الأميركية على العراق. كانت شريكا فاعلا في هذه الحرب ان عن طريق تقديم التسهيلات الى القوات الأميركية خلال مرحلة الاعداد للحرب او بعد بدء الاجتياح او عبر دفع المعارضة المتمثلة بالاحزاب الشيعية الكبيرة في اتجاه دعم التحرك العسكري الأميركي.
لم يؤد الاحتلال الأميركي للعراق الى الاخلال بالتوازن الاقليمي فحسب، بل فجر ايضا نزاعات كانت المنطقة العربية بعيدة عنها. على رأس هذه النزاعات الحساسيات المذهبية البغيضة التي ساهمت، الى حد كبير، في ابتعاد الاهتمام عن القضية الفلسطينية.
لا شك ان هناك عوامل اخرى لعبت دورها على صعيد اعادة خلط الاوراق في المنطقة، بما في ذلك الحرب في افغانستان، والحال الباكستانية المستعصية التي تسبب بها التطرف الديني والبرامج التعليمية التي في اساسه، والحرب على الارهاب التي استغلها الأميركي لمباشرة الحملة العسكرية على العراق. لكن ذلك لا يعني ان على الفلسطينيين السقوط في فخ اليأس، لا لشيء سوى لأن قضيتهم قضية شعب موجود على الخريطة السياسية للشرق الاوسط اولا ولديه مشروعه الوطني الواضح الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي ثانيا واخيرا.
من ينظر بتمعن الى ما تعرضت له القضية الفلسطينية في السنوات الاخيرة، يتوقف عند محطة مهمة، بل في غاية الاهمية. انها النكسة التي تعرضت لها العلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية والادارة الأميركية. سمحت تلك النكسة التي بدأت بفشل قمة كامب دايفيد صيف العام 2000 ثم بقرار عسكرة الانتفاضة الذي سبقه غياب الاعلان الفلسطيني الصريح عن دعم الورقة - الاطار التي طرحها الرئيس كلينتون قبل اسابيع قليلة من مغادرته البيت الابيض، في قطيعة بين واشنطن والسلطة الوطنية الفلسطينية. تكرست القطيعة التي استغلها الجانب الإسرائيلي الى ابعد حدود، في كارثة تمثلت في وضع ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، في الاقامة الجبرية في ما يسمىالمقاطعة. وقد تسبب ذلك بوفاته في ضوء ما تعرض له من ضغوط وممارسات غير انسانية لا يمكن ان توصف سوى بانها ارهاب دولة.
يرمم الفلسطينيون علاقتهم بالولايات المتحدة. يعرفون ان لا دولة فلسطينية من دون دعم أميركي ويعرفون ان لا شيء يرفع الحصار عن غزة سوى الضغط الأميركي. وهذا ما تدركه قبل غيرها حركة مثل حماس. ولذلك اعترفت اخيرا بتوجيه رسالتين الى الرئيس باراك أوباما من دون ان يمنعها ذلك من شتم المفاوض الفلسطيني الذي يتعاطى مع الإسرائيلي عبر المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل! ويعرف الفلسطينيون خصوصا ان ياسر عرفات كان اكثر من زار البيت الابيض، من زعماء العالم، في العام 2000 وانه لم يعد هناك من يسأل عنه عندما صار اسير المقاطعة في رام الله بين العامين 2001 و2004 لمجرد ان الأميركيين قرروا مقاطعته.
من ثمار قبول الفلسطينيين بالمفاوضات غير المباشرة اتصال أوباما برئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس قبل ايام وتأكيده له انه يدعم بقوة قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تعيش بأمن وسلام مع إسرائيل. توقفت معظم وسائل الاعلام عند كلام أوباما عن نيّته تحميل الجانبين مسؤولية أي عرقلة للمفاوضات في حين انه كان مفترضا ان تتوقف عند التزام الرئيس الأميركي دعم قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة. كذلك، كان مهما في البيان الصادر عن البيت البيض اللهجة التي توجه بها الرئيس الأميركي الى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. انها لهجة تنم عن تعاطف كبير مع قضية الشعب الفلسطيني بدليل ابداءالرغبة في استقبال ابو مازن في البيت الابيض قريبا.
من الباكر الحديث عن وعد أوباما للشعب الفلسطيني مقارنة مع وعد بالفور لليهود في العام 1917. لكن ما لايمكن تجاهله في أي شكل ان الفلسطينيين يسيرون في الطريق الصحيح بدليل تركيز حكومة الدكتور سلام فيّاض على بناء مؤسسات الدولة وتجاهل كبار المسؤولين في منظمة التحرير والسلطة الوطنية وفتح المزايدات التي تطلقها حماس من غزة. يعرف بعض الفلسطينيين الجديين ان وعد أوباما يمكن ان يتحول حقيقة في حال احسنوا التصرف وتفادوا الانزلاق في متاهات لا نتيجة منها سوى تقييد القرار الفلسطيني المستقل. في النهاية، هناك سؤال بديهي يفترض بالفلسطيني العادي طرحه على نفسه. هل يريد دولة مستقلة أم لا؟ هل تسمح التوازنات الاقليمية بأكثر من ذلك؟ هل من امل في دولة من دون الرضا الأميركي، ايا تكن الملاحظات على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.