لماذا تعتبر الانتخابات العراقية التي ستجري في السابع من آذار- مارس الجاري مهمة؟ قبل كل شيء ان مجرد حصول انتخابات في بلد مثل العراق، كان الى الأمس القريب ديكتاتورية ذات طابع حزبي وعائلي يشكل في حدّ ذاته انجازا. لو كان هناك حد ادنى من الديموقراطية في العراق، ولو كان هناك برلمان منتخب من الشعب في اجواء تتسم بحد ادنى من الحرية، هل كان في استطاعة شخص مثل صدّام حسين اتخاذ قرار بشن الحرب على ايران في العام 1980 من دون استشارة خبير من الدرجة العاشرة في الشؤون الايرانية. ان اي شخص، عراقي او غير عراقي، يمتلك حدا ادنى من المعرفة في شؤون ايران كان سيقول لصدّام ان شن مثل تلك الحرب سيؤدي الى استفاقة الروح الوطنية عند الايرانيين. وهذا ما حصل بالفعل، كما ادى الى توحيد الايرانيين في ما بينهم، الى حد كبير، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، وسيرهم خلف النظام الجديد الذي اسسه الامام آية الله الخميني.
ما ينطبق على موضوع الحرب العراقية- الايرانية، ينطبق ايضا على المغامرة المجنونة التي اقدم عليها النظام العراقي السابق في العام 1990 عندما غزا صدّام الكويت في الثاني من آب من تلك السنة. لم يجد صدّام وقتذاك، بسبب غياب الديموقراطية والبرلمان، من يقول له انه لن يجد كويتيا يقبل التعاون معه ومع ما يمثله، وان الشيخ فهد الأحمد الذي كان من اشد المتعاطفين مع العراق في مرحلة ما لأسباب وطنية اوّلا ذات علاقة بانتمائه العربي، سيكون في طليعة المتصدين للاحتلال وسيستشهد في المواجهة مع الغزاة... الذين هزمهم الكويتيون أوّلا، ألى ان تكفّل المجتمع الدولي باخراجهم من الأراضي الكويتية.
في الامكان اختصار المأساة العراقية في غياب المؤسسات. كان القرار العراقي في يد شخص واحد وحيد لا يتجرأ احد على مناقشته في اي موضوع كان. ولذلك، ترتدي الانتخابات العراقية اهمية خاصة. هل هي خطوة اولى على طريق بناء مؤسسات ديموقراطية ام انها ستثبت النظرية التي ينادي بها كثيرون داخل العالم العربي وخارجه فحواها ان العراق لا يمكن ان يحكم إلا بيد من حديد؟ هل تؤكد الانتخابات ان لا مجال لاعادة بناء المؤسسات العراقية على اسس حديثة بعدما قضى النظام السابق على النسيج الاجتماعي للبلد وبعدما لعب الأميركيون الدور الأساسي في اثارة النعرات والغرائز الطائفية والمذهبية والقومية والمناطقية، فلم يعد هناك مجال للحديث عن قيام عراق موحّد في يوم من الأيام؟
تطرح الانتخابات العراقية اسئلة عدة مرتبطة بمستقبل البلد وحتى بمستقبل المنطقة ككل. فما لا يمكن تجاهله ان العراق الذي عرفناه حتى العام 2003، تاريخ الاجتياح الأميركي للبلد كان ركنا من اركان الخريطة الجغرافية والسياسية للشرق الأوسط الحديث والنظام الاقليمي الذي نشأ بعد انهيار الدولة العثمانية في العشرينات من القرن الماضي. في مقدم الأسئلة التي تطرحها الانتخابات العراقية، هل تقوم سلطة جديدة في العراق تستند الى مؤسسات ديموقراطية؟ كيف ستكون عليه العلاقة بين السنة والشيعة، ثم بين العرب والأكراد؟ كيف ستوزع عائدات النفط على المواطنين؟ هل تكون هناك حكومة مركزية قوية في بغداد، ام ان الاتجاه الى فيديرالية رخوة تمهد لانفصال الأكراد والجنوب في مرحلة لاحقة، اي متى تنضج الظروف لذلك؟ وربما كان السؤال الأهم: ماذا سيكون عليه الدور الايراني في العراق، خصوصا انه يتبين، كلما مرّ يوم، ان الرابح الأول، وربما الوحيد في الحرب الأميركية على العراق كانت ايران التي كانت شريكا غير مباشر في الحرب الأميركية، بل شجعت على احتلال العراق بشكل مباشر وغير مباشر في الوقت ذاته...
قبل سقوط صدّام حسين ونظامه، كان السؤال المطروح مرتبطا بطبيعة النظام الجديد الذي سيلي رحيل صدّام ورجاله وافراد عائلته. الآن وبعد سبع سنوات من التخلص من النظام ومن صدّام، بات مطروحا قبل ايام من الانتخابات مستقبل العراق. ما على المحك مستقبل البلد، وحتى مستقبل المنطقة، وليس مستقبل النظام في غياب القدرة، اقله الى الآن، على اقامة نظام جديد. كل ما يمكن قوله للأسف الشديد، في ضوء الأحداث التي تخللت مرحلة ما قبل الانتخابات ان هناك احتقانا كبيرا على كل الصعد وان ليس ما يشير الى ان حدة التناحر خفت اكان ذلك بين الطوائف والمذاهب او القوميات. ما يحول حاليا دون عودة العنف بين الطوائف والمذاهب والحد من الرغبة في اجتثاث الآخر الوجود العسكري الأميركي. هذا الوجود لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية في ضوء رغبة الرئيس باراك اوباما في التزام المواعيد التي سبق له وحددها في شأن الانسحاب. هناك قسم كبير من القوات سينسحب على مراحل هذه السنة ويفترض بالقسم الباقي الانسحاب السنة المقبلة بعد تموضع هذا القسم في قواعد خارج المدن بعيدا عن اي تدخل في الشؤون الداخلية.
ماذا سيفعل العراقيون عندما لا يعود هناك من يفصل بينهم، هل الانتخابات خطوة على طريق تأكيد انه بات في استطاعتهم الامساك بمقدراتهم ام ان كل ما يمكن توقعه انفلات للأمور بشكل حرب اهلية، علما ان هذه الحرب مستمرة، ولكن على نار خفيفة منذ العام 2003 ، عندما بدأ الأميركيون عن طريق ممثليهم في العراق التمييز بين المواطن والآخر بسبب طائفته او مذهبه او القومية التي ينتمي اليها.
تبدو الانتخابات العراقية مفصلية. سيتبين بعدها هل يقوم العراق مجددا، كدولة ذات هوية واضحة، ايا تكن هذه الهوية، ام كل ما في الأمر ان الهدوء النسبي الذي ساد في الأشهر القليلة الماضية والذي تخللته عمليات تفجير عدة، لم تحل دون اجراء الانتخابات، لم يكن سوى ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.