8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل ينسحب أوباما أمام بيبي؟!

يمتحن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الادارة الاميركية منذ اشهر عدة. لما وجدها ضعيفة ومترددة، انقض عليها بهدوء منتزعا منها ما يسعى اليه وهو استبعاد الدور الفعال لواشنطن في الشرق الاوسط عموما وفي كل ما له علاقة بعملية السلام على وجه التحديد. يدرك نتانياهو ان لا امل بتسوية من دون دور اميركي. لذلك يرى ان من الضروري تحييد واشنطن وجعلها ترضخ للارادة الاسرائيلية. ما يؤمن به رئيس الوزراء الاسرائيلي هو مبدا التفاوض من اجل التفاوض الذي يسمح له، مع مرور الوقت، بخلق وقائع جديدة على الارض. تسمي اسرائيل هذه الوقائع امرا واقعا لا بدّ من اخذه في الاعتبار في اي تسوية يمكن التوصل اليها يوما ما. بكلام اوضح، ان حدود الدولة الفلسطينية تحددها حدود المستوطنات الاسرائيلية التي تشكل تكريسا للاحتلال. لم تنسحب اسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة صيف العام 2005 الا من اجل تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. مثل هذا الامر ليس ممكنا في حال كان هناك دور اميركي فعال. يتوجب، من وجهة النظر الاسرائيلية، الغاء هذا الدور. هل ترضخ ادارة اوباما، ام لا تزال قادرة على الوقوف في وجه رئيس الوزراء الاسرائيلي؟ هل انتصر بيبي على اوباما بالضربة القاضية؟ لا بد من الانتظار للحصول على الجواب الشافي، علما انه لا يمكن الاستخفاف بالادارة الاميركية الحالية التي لا تزال تمتلك اوراق ضغط على اسرائيل. من بين هذه الاوراق وجود سياسيين نافذين في الدولة العبرية يؤمنون بان لا مستقبل لاسرائيل في غياب علاقات جيدة بينها وبين الولايات المتحدة وان هذه العلاقة يجب ان تكون في سلّم الاولويات الاسرائيلية... ولكن ماذا اذا استطاع نتانياهو الاستفادة من ضعف باراك اوباما وأقام علاقات متميزة مع واشنطن من دون الاضطرار الى اي مراعاة للرغبات الاميركية؟
استطاع بيبي، اقلّه حتى الان، تسجيل نقاط في المرمى الاميركي. انتهى الامر بانه بات على الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (ابو مازن) الذهاب الى المفاوضات في غياب مرجعية واضحة من جهة واستمرار توسيع المستوطنات من جهة اخرى. ظاهرا، انتصر نتانياهو على باراك اوباما الذي اعترف بهزيمته بعد سنة اولى امضاها في البيت الابيض. اكتشف اوباما انه لا يعرف شيئا عن الشرق الاوسط وتعقيداته وان عليه ان يأخذ دروسا خصوصية في هذا الحقل المزروع بالالغام، كل انواع الالغام. اكتشف الرئيس الاميركي انه استخف بالصعوبات التي ستواجهه في سياق المحاولات التي يبذلها من اجل اطلاق المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية. كان الاعتراف الصادر عن الرئيس الاميركي فعل شجاعة. هل يساعده ذلك في اعادة تقويم سياسته اخذا في الاعتبار ان اسرائيل مصدر العقبات وان الفلسطينيين فعلوا كل ما في استطاعتهم من اجل نجاح وساطته... ام سيسعى الى البحث عن توازنات غير موجودة نظرا الى ان لا مجال للمزج بين الماء والزيت، اي بين قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة من جهة واستمرار الاحتلال من جهة اخرى؟ في الواقع، لا مجال لاي تردد في هذا المجال. على اوباما ان يختار بين مفاوضات ذات مرجعية واضحة هي خطوط العام 1967 استنادا الى قرارات الشرعية الدولية من جهة وبين مفاوضات مرجعيتها حدود المستوطنات، او على الاصح، المستعمرات الاسرائيلية.
لعلّ افضل نصيحة قدِمت لاوباما هي تلك التي صدرت عن الملك عبدالله الثاني لدى استقباله المبعوث الرئاسي الاميركي جورج ميتشيل قبل ايام. دعاه العاهل الاردني الى متابعة جهوده من اجل تحقيق تسوية. لا بدّ من متابعة هذه الجهود ولا بدّ من ان تستهدف هذه الجهود اقناع نتانياهو بان الاحتلال لا يمكن ان يستمر وان الشعب الفلسطيني لا يستطيع العيش تحت الوصاية الاسرائيلية. المفاوضات لا يمكن ان تكون هدفا بحد ذاته. من يريد التفاوض من اجل التفاوض انما يقع في الفخ الذي ينصبه نتانياهو للفلسطينيين.
لا شك ان ادارة اوباما في وضع لا تحسد عليه. يخسر الرئيس الاميركي ثقة المواطنين بشكل يومي. هذا ما كشفته نتائج الانتخابات الفرعية التي جرت في ولاية مساتشوستس. للمرة الاولى منذ العام 1953، ينتصر الرشح الجمهوري على المرشح الديموقراطي في المنافسة على احد المقعدين المخصصين للولاية في مجلس الشيوخ. كشقت نتيجة الانتخابات لملء المقعد الذي شغر بوفاة السناتور تيد كينيدي مدى خيبة الاميركيين من ادارة اوباما ومن مشروع الرعاية الصحية الذي تطرحه وتصر عليه. تبين ان تراجعا حادا طرا على شعبية الرئيس الاميركي. هذا ما فهمه نتانياهو جيدا ويسعى الى الاستفادة منه الى ابعد حدود. السؤال كيف سيواجه الفلسطينيون هذا الوضع الجديد. الجواب انه حتى لو تراجعت ادارة اوباما امام حكومة نتانياهو، ليس امامهم سوى الصمود ومتابعة عملية ترتيب وضعهم الداخلي، اي البيت الفلسطيني.
هل ينسحب اوباما من المواجهة مع بيبي؟ في كل الاحوال، ليس ما يشير الى ان الرئيس الاميركي مستعد للاستسلام بدليل جولة ميتشيل في المنطقة. الذين يعرفون اوباما يقولون انه اصلب بكثير مما يعتقد وانه قادر على استعادة المبادرة. الواضح ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يراهن على العكس وعلى ان اوباما صار بطة عرجاء... حسب التعبير الاميركي!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00