تبدو السنة 2010، سنة كل الاخطار على القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل وجود حكومة يمينية برئاسة بنيامين نتانياهو لا تؤمن بالسلام ولا تؤمن بالمفاوضات، اللهم الا اذا كان الهدف من المفاوضات تكريس الاحتلال. عل آخر دليل على اصرار نتانياهو على القضاء على اي امل في السلام الجريمة التي ارتكبها قبل ايام عندما قتلت القوات الاسرائيلية ستة فلسطينيين في غزة والضفة الغربية. لم يتغيّر شيء في اسرائيل منذ العام 1995 تاريخ اغتيال اسحق رابين الذي وقع اتفاق اوسلو مع ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب، في حديقة البيت الابيض. اغتيل رابين بعد عامين من توقيع اتفاق اوسلو الذي كان مفترضا ان يهيئ الارض من اجل قيام دولة فلسطينية مستقلة، على الرغم من كل الثغرات التي تضمنها. لا يزال قاتل رابين الذي يقضي عقوبة في السجن صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في تحديد السياسة الاسرائيلية. انها سياسة تقوم على كسب الوقت واستغلاله لفرض امر واقع جديد على الارض يتمثل في الجدار الامني الذي يقتطع اجزاء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ويضمها الى اسرائيل بشكل نهائي.
منذ تشرين الثاني من العام 1995، تاريخ اغتيال رابين، والسياسة الاسرائيلية قائمة على نظرية غياب الشريك الفلسطيني الذي يمكن التفاوض معه. الان وقد بات هناك شريك بعدما سيطرت الاجهزة الفلسطينية على الامن في الضفة الغربية وتوقفت العمليات الانتحارية، راح الجانب الاسرائيلي يبحث عن اعذار جديدة لتفادي التفاوض على اسسس واضحة في مقدمها مبدأ الارض في مقابل السلام. أوليس الاتفاق على مبدأ الارض في مقابل السلام الذي مكّن من عقد مؤتمر مدريد في اواخر اكتوبر من العام 1991، هذا المؤتمر الذي شكل انطلاقة لعملية السلام في المنطقة على الرغم من المعارضة الاسرائيلية للفكرة من اساسها؟
ليست الحكومة الاسرائيلية الحالية وحدها التي تشكل عقبة في طريق السلام وقيام دولة فلسطينية مستقلة. اذا استعرضنا شريط الاحداث التي شهدها العام 2009، فان اكثر ما يخيف هو المواقف المتذبذبة لادارة الرئيس باراك اوباما التي لا تريد الاستفادة من تجارب الماضي القريب مع اسرائيل من جهة وتكتفي بطرح خيار الدولتين من دون الاقدام على اي خطوة عملية تصب في دعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة من جهة اخرى.
انها بالفعل ادارة لا تعرف ماذا تريد. كان في استطاعتها العودة الى العام 1991 عندما كان جورج بوش الاب في البيت الابيض والى جانبه وزير الخارجية جيمس بايكر للتأكد من ان اسرائيل لا يمكن ان تسير في عملية السلام من دون ضغط مباشر تمارسه واشنطن عليها. لم يذهب اسحق شامير الى مدريد الا مضطرا. كان رئيسا للوزراء في اسرائيل. ولما دعت ادارة بوش الاب الى انعقاد مؤتمر السلام، بدا يطرح شروطه بهدف كسب الوقت. كان الرد على تصرفات شامير رسالة واضحة فحواها ان واشنطن ستجمد كل القروض التي ستستخدم في بناء مستوطنات جديدة. وحده الضغط المباشر اجبر شامير على الذهاب الى مدريد والجلوس الى طاولة المفاوضات.
بدل ان تقدم ادارة اوباما على خطوة مماثلة من اجل جر الفلسطينيين والاسرائيليين الى المفاوضات على اسس واضحة، راحت تطلق تصريحات يتناقض كل منها مع الاخر. في نهاية المطاف، لا يستطيع اي زعيم فلسطيني الذهاب الى المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان في الضفة الغربية وفيما مشاريع البناء الهادفة الى عزل القدس عن محيطها العربي تسير على قدم وساق. اكثر من ذلك، لا يمكن الطلب من اي دولة عربية الاقدام على خطوات تصب في التطبيع مع اسرائيل كي تقتنع حكومة بنيامين نتانياهو ان عليها وقف الاستيطان.
من يراقب عن كثب تصرفات حكومة نتانياهو والتردد الذي يبدر عن ادارة اوباما، يجد نفسه مضطرا الى وضع يده على قلبه في السنة 2010. هناك حكومة اسرائيلية لا تريد السلام وهناك ادارة اميركية لاتعرف الكثير عن المنطقة وتعتقد انه يكفي ان تقف مع خيار الدولتين كي تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة. يبقى الجانب الايجابي الوحيد في المشهد ان الفلسطينيين، ممثلين بالسلطة الوطنية التي مرجعيتها منظمة التحرير، يتصرفون بطريقة توحي انهم يدركون ان عليهم تفادي المواجهة العسكرية التي لا يمكن ان تجلب لهم سوى الويلات. ولذلك، اقدمت السلطة الوطنية ومنظمة التحرير على سلسلة من الخطوات التي تساعد في الصمود في وجه الاحتلال واجباره في مرحلة لاحقة على التراجع. من بين هذه الخطوات احكام السيطرة على الضفة الغربية بعيدا عن فوضى السلاح والتمديد للرئيس محمود عبّاس (ابو مازن) المصرّ على عدم الترشح لولاية جديدة وتمكين حكومة الدكتور سلام فياض من متابعة العمل في حقل بناء المؤسسات الفلسطينية. اضافة الى ذلك كله، انعقد مؤتمر فتح الصيف الماضي على الارض الفلسطينية وانبثقت عنه قيادة جديدة ، شابة نسبيا، يعرف معظم اعضائها كيف محاربة الاحتلال والتصدي له بشكل فعال بعيدا عن الشعارات الفارغة التي تعتبر من اختصاص حركة حماس.
انها بالفعل سنة كل الاخطار على القضية الفلسطينية. ولكن، هناك بصيص امل عائد الى التركيز الفلسطيني على البيت الداخلي في الضفة الغربية. ربما فهم الفلسطينيون للمرة الاولى ان لا شيء يحميهم من الاخطار سوى الابتعاد عن فوضى السلاح والتحرك السياسي الذي يصب في بناء المؤسسات الوطنية التي تؤسس للدولة المستقلة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.