8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المخاطر الإقليمية على القضية الفلسطينية

هناك وعي لدى بعض العرب لخطورة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل التعقيدات التي يشهدها الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان وافغانستان وصولا الى موريتانيا. من دون تعميم لمثل هذا الوعي، على الصعيد العربي، لا امل في تحقيق اي تقدم على طريق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. هذا اذا كان العرب يريدون بالفعل ان تكون هناك دولة فلسطينية ويعملون من اجل ذلك. لكن السؤال الأساسي يبقى هل هناك وعي فلسطيني لجدية المخاطر التي تتعرض لها قضيتهم؟ يفترض في الفلسطينيين ان يؤكدوا اولا انهم معنيون بقضيتهم قبل ان يتوقعوا من العرب شيئا او اي مساعدة او دعم من اي نوع كان.
من بين ابرز التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية وجود حكومة اسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تؤمن بكل شيء باستثناء الوصول الى تسوية معقولة ومقبولة تقوم على انسحاب الى خطوط العام 1967. علما بأن هناك حاجة الى بعض التعديلات الضرورية في حال كان هناك من يريد ان يكون هناك ممر ما يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة. لا مفر من اقامة هذا الممر اذا كان هناك من لا يزال يعتقد ان الدولة الفلسطينية يجب ان تضم الضفة والقطاع اللذين كانا منفصلين في العام 1967.
يفترض في الفلسطينيين ان يسألوا انفسهم ما الذي يمكن عمله وما الذي لا بد لهم من تفاديه في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الشرق الأوسط. قبل كل شيء، عليهم استبعاد السلاح. كانت الانتفاضة الأولى التي انطلقت في العام 1987 ناجحة لأنها كانت انتفاضة اطفال الحجارة. كشفت تلك الانتفاضة ان اسرائيل ليست سوى قوة احتلال وان الفلسطيني هو الضحية. وقف العالم مع الشعب الفلسطيني الذي عرف وقتذاك تحقيق انتصارات سياسية على غير صعيد توجت بالحوار بين الادارة الأميركية ومنظمة التحرير الفلسطينية. كانت تلك خطوة اولى على طريق استعادة الفلسطينيين ارضا وذلك للمرة الأولى في تاريخهم الحديث. جاء استرجاع الأرض بعد توقيع اتفاق اوسلو الذي تضمن الكثير من الايجابيات والسلبيات في الوقت ذاته. لكن الاتفاق، بكل ما فيه من ثغرات، يبقى اساسا يمكن البناء عليه، خصوصا انه تضمن الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل. مثل هذا الاعتراف المتبادل كان في الامكان تطويره في اتجاه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لولا مجموعة من العوامل ادت في حينه الى ايجاد هوة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. راحت هذه الهوة تتسع بعد القرار الخاطئ بعسكرة الانتفاضة في العام 2000 اثر فشل قمة كامب ديفيد بين الرئيس كلينتون وياسر عرفات، رحمه الله، وايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك.
لا يزال الفلسطينيون يدفعون ثمن القرار الخاطئ بعسكرة الانتفاضة. قلة تحاول الآن الاستفادة من دروس الماضي القريب، فيما لا تزال هناك فئات لا تريد ان تتعلم من اي تجربة من التجارب التي مرت بها القضية الفلسطينية، بما في ذلك حرب غزة الأخيرة التي تمر هذه الأيام سنة على اندلاعها. هناك الآن بين العرب والفلسطينيين من لا يزال يعتقد ان تلك الحرب التي مارست خلالها اسرائيل ارهاب الدولة كانت انتصارا. دمرت اسرائيل ربع البنية التحتية لغزة وقتلت المئات، بمن فيهم نساء واطفال ومدنيون، وجرحت الآلاف واستمر الحصار... ولا يزال هناك من يتحدث عن انتصار!
ليس امام الفلسطينيين سوى ترتيب اوضاعهم وبيتهم الداخلي على اي قطعة ارض فلسطينينة هم عليها. كان الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد من قطاع غزة فرصة لا تعوض لاظهار انهم قادرون على ان يحكموا انفسهم بطريقة حضارية. كان يمكن للقطاع أن يكون نموذجا ناجحا لما يمكن ان تكون عليه الدولة الفلسطينية المستقلة. بدل ذلك، ارادت حماس تحويل غزة الى هانوي العرب. كانت النتيجة ترحيب اسرائيلي منقطع النظير بالصواريخ التي تطلق من القطاع، من منطلق ان هذه الصواريخ دليل على غياب الطرف الفلسطيني الذي يمكن التفاوض معه كشريك في السلام.
لا شك ان بلوغ الهدف ليس سهلا، لكن الواضح ان المجتمع الدولي لا يزال يضغط في اتجاه قيام دولة فلسطينية مستقلة من زاوية حرصه على الاستقرار في المنطقة. الدليل على ذلك الموقف الأخير للاتحاد الأوروبي من القدس وتشديده على ضرورة التفاوض من اجل ان تكون عاصمة للدولة الفلسطينية ايضا. صحيح ان الموقف الأوروبي كان ضعيفا وان اسرائيل استطاعت تمييع النص الأصلي للقرار، لكن الصحيح ايضا انه لا يزال هناك، على الصعيد الدولي، من يولي اهمية لفلسطين. المهم ان يتذكر الفلسطينيون انفسهم ان الوقت لا يعمل بالضرورة لمصلحتهم، على الرغم من العامل الديموغرافي. عليهم ان يتذكروا ان الشرق الأوسط يغلي وان نشوء مشاكل جديدة في المنطقة لا يفيد قضيتهم، بل يطغى عليها. الوضع في العراق قابل للاشتعال مجددا. افغانستان تبدو قصة لا نهاية لها قريبا. الملف النووي الايراني قنبلة موقوتة. هذا غيض من فيض. اكثر من ذلك، لم يعد الكلام عن حرب جديدة مجرد كلام، خصوصا عندما يتحدث الرئيس باراك اوباما في خطاب تسلمه جائزة نوبل للسلام عن ان هناك حروبا لها ما يبررها...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00