يكفي ان يقول رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) في بيروت نفسها ان المخيمات ارض لبنانية كي يشعر اللبنانيون بالأرتياح وان هناك تطورا حقيقيا على صعيد الموقف التقليدي الفلسطيني من لبنان. جاء ابو مازن الى بيروت لتأكيد ان المخيمات خاضعة للسلطة اللبنانية وان اي محاولة لأستخدام الفلسطينيين في التجاذبات الداخلية في لبنان مرتبطة بقوى لها حساباتها الخاصة. انها حسابات ذات طابع اقليمي على علاقة بلبنان الساحة، لا علاقة لها من قريب او بعيد بمنظمة التحرير الفلسطينية او السلطة الوطنية الفلسطينية او المشروع الوطني الفلسطيني عموما.
انه موقف شجاع اتخذه ابو مازن يخدم في نهاية المطاف الفلسطينيين وقضيتهم عموما كما يخدم لبنان. اكثر من ذلك، ان مثل هذا الموقف يساعد الى حد كبير في توضيح ان السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وحتى داخلها في خدمة من يحاولون الاساءة الى العلاقة اللبنانية- الفلسطينية من جهة وضرب الاستقرار في لبنان من جهة اخرى. من يعود الى احداث مخيم نهر البارد قبل عامين ونصف عام تقريبا يستطيع ان يتأكد من ان الفلسطينيين في لبنان ليسوا سوى ضحية وانهم استخدموا في عملية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية بأي شكل من الاشكال. على العكس من ذلك، استخدم الفلسطينيون من اجل الانتقام من لبنان واللبنانيين بسبب موقفهم الواضح والحاد من مسألة الوجود العسكري السوري على ارضهم، خصوصا بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.
قال ابو مازن كلمته ومشى. قال ان الفلسطينيين ليسوا عقبة في طريق استعادة لبنان سيادته على اراضيه. وقال ان الفلسطينيين ليسوا طرفا في الصراعات الدائرة على ارض لبنان وان الاستقرار في لبنان يخدم قضيتهم. جاء ليقول ان الفلسطينيين اخطأوا في حق لبنان عندما كانوا طرفا في الحرب الاهلية وفي حروب الاخرين على ارضه. الاهم من ذلك كله، انه جاء ليقول ان الفلسطينيين يعرفون مصلحتهم وان هاجس التوطين يجب ان يزول من عقول اللبنانيين وان كل كلام عن التوطين في لبنان كلام حق يراد به باطل. بكلام اوضح، يفترض في اللبنانيين التوقف عن الكلام الذي لا معنى له عن التوطين لا لشيء سوى لأن لا وجود لفلسطيني يريد البقاء في لبنان من جهة ولأن المطلوب اولا واخيرا ان يصبح اي فلسطيني مواطنا في الدولة الفلسطينية المستقلة من جهة اخرى.
تكمن اهمية ابو مازن بأنه من القلائل في قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية الذين رفضوا من حيث المبدأ تحول الفلسطينيين طرفا في نزاعات عربية داخلية. ولذلك، ابتعد ابو مازن عن الاردن في الاعوام التي سبقت احداث العام 1970 وابتعد عن لبنان عندما اقام الفلسطينيون دويلتهم الخاصة على ارضه وقد سميت وقتذاك جمهورية الفاكهاني. كان الرجل يعي في استمرار اهمية ان يكون الفلسطيني حرا وان يرفض الدخول في حروب عربية - عربية. ولذلك، لم يتردد ابو مازن، على العكس من ابو عمار، في اتخاذ موقف واضح وصريح من الاحتلال العراقي للكويت صيف العام 1990 .
يؤمن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بموازين القوى. كان يعرف جيدا في العام 1993 ان الموازين لا تسمح بالتوصل الى ما هو افضل من اتفاق اوسلو، خصوصا بعد الموقف الذي اتخذه ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، من الاحتلال العراقي للكويت والمغامرة المجنونة التي اقدم عليها صدّام حسين.
الآن، يدرك ابو مازن، الزاهد حقيقة في السلطة، ان الكلام عن حق العودة في المطلق لا يستهدف سوى تعطيل اي تسوية معقولة ومقبولة. لا شك ان الطفل، اي طفل، يعرف هذه الايام ان افاق التسوية مسدودة بفضل حكومة بنيامين نتانياهو التي تريد تكريس الاحتلال الاسرائيلي لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. لكن الطفل يعرف ايضا ان هناك بعض الامل بجر اسرائيل في المستقبل القريب الى القبول بتسوية صار اطارها معروفا نظرا الى انه يستند الى خطوط الرابع من حزيران- يونيو 1967 عندما كانت القدس والشرقية والضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من المملكة الاردنية الهاشمية. ايا تكن طبيعة التسوية، سيكون اي فلسطيني مواطنا في الدولة الفلسطينية المستقلة ويمتلك حق العودة اليها. سيكون هناك بالطبع حق العودة الى اراضي العام 1948 لعدد محدود من الفلسطينيين، لكن حق العودة عموما، سيكون الى الدولة الفلسطينية المستقلة.
من يريد مصلحة الفلسطينيين لا يبيعهم اوهاما. ومن يسعى بالفعل الى مصلحة لبنان يؤيد المشروع الوطني الفلسطيني الذي يلتقي مع مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت في العام 2002 ولكن بموجب التفسير العربي، ليس السوري او الايراني، للبند المتعلق بحق العودة في هذه المبادرة. كل ما عدا ذلك متاجرة بالشعب الفلسطيني وسعي الى استخدامه وقودا في نزاعات اقليمية تعود عليه بالكوارث. الامل كبير بأن يكون ابو مازن استطاع افهام المسؤولين اللبنانيين ان لا فائدة من اثارة موضوع التوطين وان كل المطلوب ان يكون لبنان في كل المحافل الدولية، بما في ذلك مجلس الامن، الى جانب المشروع الوطني الفلسطيني الذي يقوم على حل الدولتين. كل ما عدا ذلك كلام بكلام وتسويق لأوهام من نوع تحرير فلسطين من البحر الى النهر بما يخدم رمز التطرف الاسرائيلي الذي يمثله بيبي نتانياهو!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.