8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لا علاج لأفغانستان من دون باكستان أوّلاً!

أخيرا وبعد تفكير طويل واستشارات استغرقت اسابيع عدة، رضخ الرئيس باراك اوباما، ولو جزئيا، لرغبات المؤسسة العسكرية وقرر ارسال ثلاثين الف جندي اضافي إلى افغانستان. لم تمض ايام على اعلان اوباما قراره بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في افغانستان، حتى جاء الهجوم الذي شنه اربعة انتحاريين على مسجد في مدينة روالباندي الباكستانية.
كان الرد الطالباني في باكستان بدل ان يكون في افغانستان. جاء الهجوم الذي حصل يوم الجمعة الماضي وادى إلى سقوط نحو خمسة وثلاثين قتيلا بينهم عدد من كبار الضباط الباكستانيين، وكأنه تذكير للرئيس الأميركي بأن ليس في الأمكان الفصل بين باكستان وافغانستان وان اساس المشكلة في باكستان نفسها نظرا إلى انها تحولت إلى ما يشبه مصنعا ينتج طلابا اقرب إلى قنابل موقوتة من اي شيء آخر. هذا المصنع اسمه المدارس الدينية التي عددها بالآلاف. انتشرت المدارس في عهد الرئيس الراحل الجنرال ضياء الحق. عمل ضياء الحق منذ استيلائه على السلطة في اواخر السبعينات، عن طريق انقلاب عسكري بدعم اميركي وغير اميركي، على نشر التطرف في المجتمع الباكستاني. اصرَ، بعدما قوي عود نظامه، على اعدام ذو الفقار علي بوتو الذي كان رجلا عصريا، عمل من موقعه كرئيس للوزراء على تحقيق اصلاحات حقيقية لمصلحة الطبقة الفقيرة بغية ابعادها عن التطرف، خصوصا التطرف الديني.
لا يمكن عمل شيء بالنسبة إلى الوضع في افغانستان من دون التصدي للوضع الباكستاني بشكل جدي أوّلا. لقد اعلنت طالبان مسؤوليتها عن الهجوم على المسجد القريب من مقر للقيادة العسكرية ومن منازل ومقرات تابعة لضباط كبار في الأستخبارات والأمن في روالباندي. يدل ذلك على ان المؤسسات الرسمية الباكستانية مخترقة من طالبان وان الحركة تمتلك مؤيدين لها داخل المؤسسة العسكرية الباكستانية يسهلون لانتحارييها الاقتراب من المواقع الحساسة المطلوب تفجيرها. لم يعد السؤال هل في الامكان معالجة الوضع الأفغاني من دون الذهاب إلى جذور المشكلة، اي إلى باكستان نفسها. بات السؤال هل تعي الادارة الأميركية ان كل الجهود التي تبذلها مع المتضامنين معها، على رأس هؤلاء الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ستبقى من دون جدوى في غياب استراتيجية واضحة تركز على باكستان قبل افغانستان...
قبل عامين تقريبا، نشرت مجلة تايم الأميركية موضوعا افردت له غلافها. فحوى ما ورد في المقال الطويل ان البلد الذي يشكل الخطورة الأكبر في العالم هو باكستان وليس العراق. عددت الأسباب التي تجعل باكستان اخطر بكثير من افغانستان. وركزت في الوقت ذاته على الأضرار التي خلفتها المدارس الدينية التي كانت في اساس نشوءطالبان. أن طلاب هذه المدارس هم الذين كانوا يتوجهون إلى افغانستان بعد تدريبهم على السلاح. وكان هؤلاء وراء تمكين طالبان من السيطرة على افغانستان بعد الانسحاب السوفياتي منها وبعد انتشار الفوضى في كل مكان بسبب الخلافات التي نشأت بين زعماء المجاهدين.
لم تكن الولايات المتحدة نفسها بعيدة عن نشوء طالبان وانتشار نفوذها بدعم واضح ومكشوف من جهاز الأستخبارات العسكرية الباكستاني في مرحلة كانت الأولوية فيها إلى استخدام الأراضي الأفغانية لتمرير انابيب النفط المستخرج من الجمهوريات الاسلامية التي كانت في ما مضى جزءا من الاحاد السوفياتي. غض الأميركيون الطرف على كل ما كانت طالبان ترتكبه في افغانستان. لم يكن هناك كلام عن الديموقراطية ولا عن حقوق الانسان ولا عن تعليم المرأة ولا عن اضطهاد الأقليات، خصوصا الأقلية الشيعية، التي عانت الأمرين من التزمت الطالباني.
في المستقبل القريب، سيصل ثلاثون ألف جندي اميركي اضافي إلى افغانستان. كذلك، سيصل نحو سبعة آلاف جندي من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ربما تكون السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية على حق عندما اعتبرت لدى اجتماعها بوزراء الدفاع في دول الأطلسي قبل ايام في بروكسيل انالانتصار على التمرد الذي تقوده طالبان في افغانستان امتحان حاسم للحلف. نعم انه امتحان حاسم للحلف. اكثر من ذلك، يتوقف مستقبل الحلف ودوره على النجاح في افغانستان. ولكن، مرة اخرى، لا مفر من الذهاب إلى النبع بدل التلهي بالسواقي. ان النبع الذي تتغذى منه طالبان هو باكستان. باكستان هي الحديقة الخلفية لأفغانستان. كيف السبيل إلى معالجة الوضع الباكستاني وتجفيف النبع الذي يخرج منه طالبانيون بالآلاف المؤلفة؟ إلى الآن، ليس ما يشير إلى اقتناع الادارة الأميركية بمدى الاختراق الطالباني للمجتمع الباكستاني على غرار ما حصل في افغانستان بالأستناد خصوصا إلى العامل القبلي. فقبائل البشتون المنتشرة في باكستان وافغانستان والتي يجمع الانتماء اليها بين عناصر طالبان لا تعترف بالحدود بين باكستان وافغانستان. ولذلك، تستطيع هذه القبائل تأمين الحماية لأسامة بن لادن والقاعدة في الأراضي الأفغانية او الباكستانية لا فارق.
هل لا يزال في الامكان معالجة الوضع الباكستاني؟ ذلك هو السؤال الكبير. اذا لم يعالج هذا الوضع لا فائدة من مليون جندي اميركي اضافي في افغانستان. ثمة حاجة إلى تغيير جذري في توجه السياسة الباكستانية والتفكير الذي في اساس هذا التوجه. بكلام اوضح، ثمة حاجة إلى التوقف عن اعتبار الهند العدو الأول وان لا بدّ من حشد معظم فرق الجيش الباكستاني على حدودها. العدو الأول لباكستان هو المد الطالباني على كل المستويات افقيا وعموديا. هل لا يزال في الامكان وقف المد؟ اذا لم تتمكن الادارة الأميركية من الذهاب إلى النبع، اي إلى المصنع الباكستاني الذي ينتج انتحاريين ويصدرهم إلى باكستان نفسها وإلى افغانستان، ليس مستبعدا ان يصدق الذين يحذرون من ان افغانستان ستكون فيتنام اخرى للولايات المتحدة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00