8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل ينتفض أوباما بسبب الشرق الأوسط؟

لا يزال السؤال المحير هو اياه. لماذا قررت الولايات المتحدة اجتياح العراق في العام 2003 ردا على العمليات الارهابية التي تفذتها القاعدة واستهدفت واشنطن ونيويورك؟ لماذا ذهب الجيش الاميركي الى العراق قبل الانتهاء من مهمته في افغانستان حيث كانت القاعدة ولا تزال وحيث قادتها على رأسهم اسامة بن لادن؟ هل كانت الادارة الاميركية تدرك وقتذاك ما الذي تفعله وابعاد العمل الذي ستقدم عليه؟
كان اجتياح العراق نقطة البداية على طريق تغيير الخريطة السياسية للشرق الاوسط تمهيدا لحصول تغييرات ذات طابع جغرافي تطال حدود الدول مستقبلاً. اتخذت ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن قراراً في غاية الخطورة على مستقبل الشرق الاوسط والتوازنات القائمة فيه وذلك تحت شعار انها تريد نشر الديموقراطية في المنطقة. سمت المنطقة الشرق الاوسط الكبير الممتد من باكستان الى موريتانيا. بعد اقل من سبع سنوات على الحرب التي ادت الى تفتيت العراق، يتبين ان الهدف الذي تحقق لا علاقة له بنشر الديموقراطية. لم يكن هناك اصلا مشروع لنشر الديموقراطية. على العكس من ذلك، كان هناك هدف واضح كل الوضوح لدى شخصيات معينة في واشنطن. يصب هذا الهدف في سياق عملية اعادة تشكيل المنطقة لمصلحة القوى غير العربية فيها على رأسها اسرائيل ومشروعها الاستعماري في الضفة الغربية. اليست هذه العبارة التي استخدمها كولن باول وزير الخارجية الاميركي بين العامين 2001 و2005 في مرحلة ما قبل الغزو؟
لم يكن باول متورطاً في مشروع تفتيت المنطقة. كان في احسن الاحوال رجلاً لا يعرف شيئاً عن العراق وطبيعة العراقيين وما الذي يمكن ان تؤدي اليه عملية الانتهاء من حكم مركزي قوي في بغداد. لم يكن باول يدرك حتى ان النظام العائلي ـ البعثي الذي اقامه صدام حسين قضى على النسيج الاجتماعي للعراق في المدن والضواحي والقرى، في الريف والمدينة، وان سقوط النظام سيعود بالويلات على البلد وسيغير طبيعة العلاقات بين دول المنطقة. لم يفهم حتى لماذا بدرت كل تلك الحماسة الايرانية للحرب الاميركية على العراق. كان النظام الايراني الشريك الفعلي في الحرب الاميركية على العراق. لم يكتف بتقديم تسهيلات عسكرية للأميركيين بل شجع المعارضة الشيعية على الانخراط في المغامرة الاميركية بعدما ضمن ان يكون العراق دولة فيديرالية، ارضاء للأكراد خصوصا، وان يتحكم شعار الأكثرية الشيعية في العراق بكل الخطوات السياسية التي ستشهدها مرحلة ما بعد الاجتياح ودخول الجيش الاميركي بغداد والجيش البريطاني البصرة. هل صدفة انعقاد مؤتمر للمعارضة العراقية في لندن في كانون الاول من العام 2002 بتنسيق تام بين واشنطن وطهران وان يقر المؤتمر في وثيقة صدرت عنه مبدأي الفيديرالية والأكثرية الشيعية وذلك للمرة الاولى منذ قيام العراق الحديث في العشرينات من القرن الماضي؟
ما هي النتيجة الفعلية للمغامرة الاميركية في العراق؟ اذا وضعنا جانبا الفشل الذريع في افغانستان وباكستان نتيجة الاندفاع العسكري الاميركي المبكر في اتجاه العراق، نجد ان العد العكسي لتراجع نفوذ الولايات المتحدة في العالم بدأ في العراق. يجسد ذلك، ما ال اليه الوضع في افغانستان وباكستان. تبين مع مرور الوقت ان هناك منتصرا وحيدا في الحرب الاميركية على العراق. هذا المنتصر هو ايران التي بسطت نفوذها في معظم الاراضي العراقية بإستثناء تلك التي تحت سيطرة الاكراد. الاهم من ذلك كله ان ايران استخدمت العراق لتؤكد انها صارت القوة الاقليمية الابرز في المنطقة. خطفت القضية الفلسطينية وحولتها رهينة لديها وملأت الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان في نيسان من العام 2005 واثبتت في ايار من العام 2008 انها قادرة على احتلال بيروت ساعة تشاء وذلك بعدما اكدت صيف العام 2006 انها تتحكم بقرار الحرب والسلم في لبنان...
في الامكان الاستفاضة في الحديث عن الدور الايراني في تشجيع الفتنة في اليمن، عبر الدعم الذي تقدمه الى الحوثيين، والعمل على ضرب الاستقرار في البحرين وحتى عن التعاون مع القاعدة في غير مكان ومجال، خصوصا في الصومال. يمكن بالطبع اعطاء امثلة لا تحصى عن الدور الايراني الجديد على غير صعيد، بما في ذلك المثابرة على تهريب الاسلحة الى مصر بحجة دعم حماس في غزة. بكلام مختصر، تتصرف ايران بشكل مختلف في ضوء ما شهده العراق من تطورات!
كان الدخول الاميركي الى العراق نقطة التحول. لم يكن في استطاعة ايران تحدي المجتمع الدولي حاليا لولا شعورها بأنها قوية في العراق وانها تتحكم بمصير قسم من هذا البلد وان الجنود الاميركيين الموجودين فيه رهائن لديها، مثلهم مثل معظم السياسيين العراقيين. نجح الايراني في استغلال التغيير الذي حصل في العراق الى ابعد حدود.
هناك واقع جديد في الشرق الاوسط. انه التركة الثقيلة لجورج بوش الابن. هل في استطاعة باراك اوباما التخلص من العبء واثبات ان اميركا لا تزال اميركا وانها انتصرت فعلا في الحرب الباردة؟ ربما هناك حاجة الى ان يعرض الرئيس الاميركي عضلاته في مكان ما كي يقول ان الولايات المتحدة لا تزال تمتلك انيابا. الوقت يضيق امامه. اقل من سنة تفصل عن انتخابات الكونغرس. هل ينتفض اوباما ام يخضع لمشيئة القوى الصاعدة في الشرق الاوسط بفضل ما فعله جورج بوش الابن في العراق؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00