8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مأزق أفغانستان يُفسّر العجز الأميركي؟

سيتوجب على الرئيس باراك أوباما، في غضون أيام أو أسابيع قليلة، اتخاذ قرار في شأن زيادة القوات الأميركية في أفغانستان. ربما سيأخذ الرئيس الأميركي بنصيحة سفيره في كابول كارل ايكنبري ويمتنع عن إرسال مزيد من القوات الى هناك. السفير يرى أن لا فائدة من ذلك، ما دامت إدارة الرئيس حميد كرزاي غير قادرة على التصدي لظاهرة الفساد أوّلاً. في المقابل، هناك إصرار من العسكريين الأميركيين على رأسهم قائد القوات في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال على تعزيز الوجود العسكري. يعتقد هؤلاء أن إرسال أربعين ألف جندي إضافي الى أفغانستان سيساهم في إنهاء النزاع أو أقله امتلاك القدرة على التصدي لـطالبان.
في كل الأحوال، هناك مأزق أميركي في أفغانستان. في أساس المأزق القرارات الخاطئة التي اتخذتها إدارة بوش الأبن التي لم تُحسن التصرف بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. بكلام أوضح، يدفع أوباما ثمن ذهاب بوش الأبن الى العراق قبل الانتهاء من مشكلة ضخمة إسمها أفغانستان. الى الآن لا يزال السؤال: لماذا الذهاب الى العراق والإصرار على إسقاط النظام فيه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر، علماً بأن الطفل يعرف أن لا علاقة بين نظام صدّام حسين، غير المأسوف عليه، والقاعدة؟ لماذا لم تنته الآلة العسكرية الأميركية من القاعدة في أفغانستان ومن قاعدتها الخلفية في باكستان قبل الانتقال الى العراق؟
يبدو أوباما حالياً ضحية الأخطاء التي ارتكبها سلفه. إنه أمام خيارين أحلاهما مرّ. في حال راوحت الأوضاع مكانها في أفغانستان، ليس ما يشير الى أن طالبان لن توسع مناطق نفوذها في البلد وصولاً الى كابول نفسها. أكثر من ذلك، ليس ما يضمن عدم انهيار الوضع في باكستان نفسها حيث يتبين أن نفوذ طالبان أقوى بكثير مما يعتقد، وأن اختراقها للمؤسسة الأمنية، خصوصاً الاستخبارات العسكرية، اختراق في العمق. لا مفر من الاعتراف بأن باكستان في أساس قيام طالبان وأن المشروع الطالباني نشأ في باكستان نفسها حيث المدارس الدينية التي خرجت الآلاف من الطلاب المتدينين الذين انتقلوا الى الأراضي الأفغانية لنشر أفكارهم المتشددة ووضع اليد على البلد بعدما عمت فيه الفوضى اثر الانسحاب السوفياتي في العام 1989.
تكمن المفارقة في أنه حتى لو زادت الولايات المتحدة قواتها في أفغانستان، ليس ما يضمن نجاح الحملة العسكرية. بل ليس ما يضمن أن لا تكون أفغانستان فيتنام أخرى بالنسبة الى الأميركيين.
من يتمعن في المشهد الأفغاني وفي التطورات التي تحدث في باكستان جيداً، لا يستطيع إلاّ التساؤل هل هناك مخرج للإدارة الأميركية من المأزق الأفغاني؟ الجواب بكل بساطة أن لا وجود لمخرج، أقله في المدى المنظور، باستثناء الاستسلام لـطالبان. كل ما تستطيع الإدارة في واشنطن عمله هو الحد من خسائرها لا أكثر. ما قد يكون أخطر من ذلك كله، أن المأزق يتجاوز أفغانستان وباكستان. ما على المحك مستقبل منطقة بكاملها نظراً الى أن الفشل الأميركي في أفغانستان ستكون له انعاكاساته على الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى التي لا يمكن إلا أن تتأثر بعودة طالبان الى السيطرة على أفغانستان. هذه الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، وهي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، ستجد نفسها عرضة لضغوط شديدة تمارسها التنظيمات الإسلامية المتطرفة في حال استمرار طالبان في بسط نفوذها وتعزيزه في أفغانستان.
سيعني الفشل الأميركي في أفغانستان فشل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وسيشكل ضربة لهيبة الولايات المتحدة نفسها في العالم. سيتبين أن كل السياسات الأميركية منذ الحادي عشر من أيلول 2001 كانت سياسات خرقاء تتسم بالعشوائية. ما على المحك حالياً ليس مستقبل أفغانستان فحسب، بل مستقبل المنطقة والمؤسسات الدولية أيضاً. ولذلك، يبدو طبيعياً أن تتحدى إيران القوة العظمى الوحيدة في العالم وأن تعمل على كسب الوقت في المفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي غير آبهة بأي رد فعل يصدر عن واشنطن. وما ينطبق على إيران، ينطبق الى حد كبير على إسرائيل حيث حكومة يمينية برئاسة بنيامين نتنياهو ترى أن الوقت يعمل لمصلحتها، وأن ليس ما يدعو الى الاستجابة الى الدعوات الى تجميد الاستيطان في الضفة الغربية تمهيداً للدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني. هناك بكل بساطة شعور إسرائيلي بأن الإدارة الأميركية إدارة عاجزة وهي في مأزق وأن هذا المأزق يزداد عمقاً. ما يؤكد ذلك التراجع أمام إسرائيل والضغوط التي تمارس على الجانب الفلسطيني.
مرة أخرى، هل في استطاعة إدارة أوباما تجاوز المأزق؟ الجواب بكل بساطة أن الولايات المتحدة تحصد حالياً ما زرعته في أفغانستان وباكستان طوال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بحجة مواجهة النفوذ السوفياتي في البداية... ثم فرض نوع من الاستقرار في أفغانستان بأي ثمن كان، ولو على يد طالبان، في مرحلة لاحقة. شجعت واشنطن على قيام طالبان في التسعينات بعدما شجعت على الجهاد ضد الروس. اكتمل المشهد عندما أخذ بوش الأبن الجيش الأميركي الى العراق في السنة 2003. كل ما يمكن قوله الآن إن أوباما ينوء تحت حمل تركة ثقيلة، وإن خياراته محدودة. لم يعد أمامه سوى الاعتراف بأن مرحلة القطب الواحد انتهت. لا بدّ من البحث عن تحالفات جديدة والاستعانة بآخرين. ليس صدفة أن تكون الولايات المتحدة تخلت عن الدرع الصاروخية في أوروبا لطمأنة روسيا والتقرب منها في هذه الأيام بالذات. صارت هناك حاجة الى الخبرة الروسية في أفغانستان لا أكثر ولا أقلّ بعدما وجدت أميركا نفسها غارقة في الرمال المتحركة الأفغانية. هناك من أخذ علماً بالعجز الأميركي. وأول من فعل ذلك إيران وإسرائيل... والحبل على الجرار في ما يبدو!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00