8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أبو مازن الرجل الذي لا يعرف المناورة

من عادة السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الذي أعلن عزوفه عن ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة الابتعاد كلياً عن أسلوب المناورة. من يقول إن أبو مازن يناور، لا يعرف أبو مازن ولا يعرف خصوصاً أنه رجل يعرف ماذا يريد، بغض النظر عن وجود أخطاء كثيرة لديه، بعضها يعود الى عدم إحاطة نفسه بكفاءات. جل من لا يخطئ، ولكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ موقف ما، لا يعود الأمر متعلقاً سوى بما يؤمن به الرجل وما يعتقد أنه صواب، حتى لو لم يكن هذا الموقف من النوع الذي ستصفق له الجماهير بحماسة ليست بعدها حماسة!
يرفض رئيس السلطة الوطنية خوض الانتخابات المقبلة المقررة في الرابع والعشرين من كانون الثاني - يناير 2010 من منطلق أن المطروح حالياً أبعد بكثير من المنصب. المطروح مستقبل القضية الفلسطينية وليس مستقبل أبو مازن. المطروح مستقبل البرنامج السياسي الفلسطيني الذي كان يحظى الى ما قبل فترة قصيرة بدعم من المجتمع الدولي. تبين لـأبو مازن أنه بكل بساطة أن لا مجال للتقدم في تطبيق البرنامج لأسباب عدة. في طليعة الأسباب التذبذب في الموقف الأميركي. هناك بكل وضوح فتور في العلاقة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية. ظهر هذا الفتور في مناسبات عدة لا مجال لإعادة تكرارها وذلك عندما تحدث مسؤولون كبار في الإدارة عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وعن ضرورة العودة الى حدود 1967، مع بعض التعديلات طبعاً. تبدو هذه التعديلات ضرورية في ضوء حاجة الفلسطينيين الى ممر يربط بين الضفة الغربية وغزة.
ولكن، يبدو أن الفتور بين الأميركي والإسرائيلي ليس كافياً كي تعلن الإدارة في واشنطن أن الاستيطان في الضفة الغربية موازٍ للاحتلال وأن لا مفر من تأكيد أن خطوط 1967 تمثل مرجعية المفاوضات في حال كان لا بدّ من معاودتها. حاولت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التلاعب على الكلام خلال جولتها العربية الأخيرة مشيرة غير مرة، في مراكش والقاهرة الى أن لا تغيير في الموقف الأميركي من الاستيطان. ولكن كيف تستطيع هيلاري القول إن هذا التغيير لم يحصل في وقت تدعو فيه أبو مازن الى العودة الى المفاوضات من دون شروط مسبقة.
في استطاعة الفلسطينيين العودة الى المفاوضات من دون شروط مسبقة. ولكن من حقهم في الوقت ذاته التساؤل عن مرجعية أي مفاوضات مطلوب منهم المشاركة فيها على أي مستوى كان. تلك هي المشكلة التي واجهها رئيس السلطة الوطنية الذي يفضل الوضوح في المواقف على أي شيء آخر. إنه يعرف على سبيل المثال وليس الحصر ما هي مقومات التسوية. أكثر من ذلك إنه يعرف أن حق العودة للفلسطيني، أينما وجد، يتمثل في حق العودة الى الدولة الفلسطينية، علماً أن في الإمكان السماح بعودة عدد محدود من الفلسطينيين الى ما يسمى أراضي 1948، في إطار لم شمل العائلات أو ما شابه ذلك. يعرف أبو مازن أكثر ما يعرف أن الذين ينادون بحق العودة من دون العمل من أجل إقامة دولة فلسطينية لا يريدون حلاً. كل ما يريده هؤلاء هو المتاجرة بالشعب الفلسطيني لا أكثر ولا أقلّ.
تكمن مشكلة أبو مازن في أنه يفهم جيداً موازين القوى اقليمياً ودولياً. موازين القوى اختلت لمصلحة إسرائيل التي لا تريد العودة الى طاولة المفاوضات إلا من أجل التفاوض في شأن قيام دولة فلسطينية حدودها، حدود المستوطنات الإسرائيلية. كان في استطاعة رئيس السلطة الوطنية الرهان على أن الأميركيين سيطرحون في المفاوضات أفكاراً خاصة بهم. ولكن من الواضح أن مثل هذا الرهان بمثابة مجازفة كبرى. والأهم من ذلك، لم يكن هناك تأييد داخل فتح أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لمغامرة من هذا القبيل.
ما العمل الآن؟ الخوف كل الخوف من أن لا يعود مكان سوى للتطرف والمتطرفين في المنطقة. هناك دعوة أطلقتها حماس من أجل تجميد العملية السلمية. لا شك أن بنيامين نتنياهو يطرب لسماع مثل هذا الكلام الذي يجسد طموحاته. يعتقد نتنياهو أن الوقت يعمل لمصلحة مشروعه الهادف الى تحقيق الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية من جهة وتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية من جهة أخرى. أما حماس، فإن همها محصور في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، في انتظار اليوم الذي ستتمكن فيه من تحرير فلسطين من النهر الى البحر أو من البحر الى النهر، لا فارق.
عندما تكتفي الإدارة الأميركية، أي إدارة أميركية بالتفرج على ما يدور في الشرق الأوسط، تاركة المبادرة للمتطرفين من كل حدب وصوب وللطامحين الى نشر البؤس كي تسهل لهم السيطرة على الشعوب، لا يعود أمام شخص يحترم نفسه وصادق معها مثل أبو مازن سوى الانسحاب. لو فعل العكس من ذلك، لكان عليه بيع شعبه الأوهام. ولكن من قال إن الشعوب لا تتعلق بالأوهام وتعشقها؟ ألم يعش الفلسطينيون عشرات السنوات على شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فكانت النتيجة انتقالهم من كارثة الى كارثة أخرى. كانت حرب غزة الأخيرة التي رفعت بعدها حماس شارة النصر إحدى هذه الكوارث المدوية. ما يدعو الى الأسف أن تصرف أبو مازن قد لا يؤدي الى صدمة على الصعيد الفلسطيني، صدمة تدفع في اتجاه البحث عن مخرج ما. هل من مخرج؟ الجواب أن لا مفر من ترتيب البيت الفلسطيني أوّلاً والتمسك بالبرنامج الوطني في انتظار غد أفضل... في انتظار أن تستفيق الإدارة الأميركية من غيبوبتها، فتعي أن سياستها الحالية لا تخدم سوى التطرف والمتطرفين الذين تدعي محاربتهم!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00