8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بين جدار برلين واتفاق الطائف...

بعد عشرين عاما على سقوط جدار برلين، لا يزال العالم في حال مخاض. الثابت ان ما سيطيل حال المخاض السياسة التي اتبعتها ادارة جورج بوش الابن طوال ثماني سنوات، بين العامين 2000 و2008. اقلّ ما يمكن قوله في شأن هذه السياسة انها وجهت ضربة قاسية للهيبة الأميركية في العالم واعادت الإعتبار لتوازنات جديدة ليس معروفا كيف ستتبلور في نهاية المطاف.
في مرحلة ما بعد سقوط الجدار يوم التاسع من تشرين الثاني- نوفمبر 1989، بدأ العد العكسي لنهاية الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفياتي الذي كان قد شكل القوة العظمى الأخرى على الصعيد العالمي. انتهى الإتحاد السوفياتي بداية العام 1992. من حسن الحظ، انه كانت هناك وقتذاك ادارة اميركية على رأسها جورج بوش الأب قادرة على التعاطي بشكل جدي مع المستجدات الدولية وتفادي مغامرات من نوع ملاحقة جيش صدّام حسين، المهزوم في الكويت، الى بغداد واسقاط النظام من دون حساب للنتائج التي ستترتب على مثل هذا العمل على صعيد الشرق الوسط كله في غياب البديل...
كان الى جانب بوش الأب رجال من طينة مختلفة يعملون من اجل الولايات المتحدة وليس من اجل اسرائيل. بين هؤلاء وزير الخارجية جيمس بيكر ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي الجنرال برنت سكوكروفت على سبيل المثال وليس الحصر. كان هناك تفكير في كيفية المحافظة على المكاسب التي تحققت منذ اللحظة التي انهار فيها جدار برلين ومعه شعارات من نوع الإشتراكية ذات الأساسات التي لا تتزعزع، تحت ضغط المطالبة بالحرية وشعار نحن الشعب الذي اطلقه اولئك الذين اندفعوا في اتجاه الجدار بحثا عن متنفس اسمه برلين الغربية.
ينسى كثيرون انه في الأيام التي سبقت انهيار جدار برلين، كان اللبنانيون يتوصلون الى اتفاق الطائف. كان هناك رجل في الخامسة والأربعين من عمره، في تلك الأيام، رجل مهووس بلبنان اسمه رفيق الحريري، يعمل من اجل التقاط اللحظة الدولية وانهاء الحرب الأهلية وحروب الآخرين على ارض لبنان. سعى الى ذلك عن طريق اتفاق متوازن بين اللبنانيين يجعل بلدهم قادرا على ان يحمي نفسه من الاضطرار الى لعب دور الساحة في وقت كانت الحرب الباردة تشرف على الانتهاء، وفي وقت بدأ البحث عن نظام دولي جديد تستقر عليه العلاقات الدولية. دفع رفيق الحريري من دمه ثمن ايمانه بلبنان واستيعابه المعادلات الدولية والإقليمية وتوظيفها في مصلحة الوطن الصغير. كان من بين الشخصيات العربية القليلة، حتى لا نقول النادرة، التي استوعبت، في حينه، ان العالم يتغير ومعه الشرق الأوسط وان على اللبنانيين ان يجدوا صيغة جديدة للعيش المشترك تحافظ على التوازن المسيحي- المسلم الذي من دونه لا وجود للبنان ولا مستقبل لأبنائه. كان مهما ان يبحث لبنان عن اتفاق جديد بين اللبنانيين يقيه العاصفة المقبلة على العالم. المؤسف انه لم يتمكن من ذلك، بعدما تبين ان انتهاء الحرب الباردة اعطى الضوء الأخضر لإنطلاق حروب من نوع جديد في مناطق مختلفة من العالم. من بين هذه الحروب، تلك التي تشنها بعض القوى الإقليمية على لبنان. ولذلك، كان لا بدّ من التصويب على الرجل الذي اسس لبنان ما بعد انتهاء الحرب الباردة ووفر له كل الأسس التي تمكنه من النمو والتطور والإستمرار.
كان اتفاق الطائف، الذي حاول النظام السوري خطفه منذ البداية وتجييره لمصلحته، بدءا باغتيال الرئيس المنتخب رينيه معوض، نقطة الانطلاق. وكان مشروع الانماء والأعمار واعادة بناء البنية التحتية وتوفير فرص عمل للبنانيين ومنعهم من الهجرة بمثابة الشق المكمل للطائف. كان الدرع الحامي له. هل صدفة ان رفيق الحريري استشهد في لحظة خلل اقليمي تسبب بها الغزو الأميركي للعراق؟
يفترض في الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين ان تحمل اللبنانيين على التأمل طويلا بالهجمة التي يتعرض لها بلدهم، خصوصا على شخص الرئيس سعد الدين رفيق الحريري وما يرمز اليه. يفترض بالذكرى ان تدفعهم الى المقارنة بين النظامين اللذين يقودان الهجمة عليهم عبر ادواتهما اللبنانية وادوات الأدوات. ألا يشبه النظامان الى حد كبير النظام الألماني الشرقي الذي كان يتزعمه الستاليني اريش هونيكر الذي رفض حتى نصائح ميخائيل غورباتشوف له لدى زيارة آخر زعيم سوفياتي لبرلين الشرقية قبل شهر من إنهيار جدار برلين؟
ما يدفع الى بعض التفاؤل ان برلين الغربية هي التي انتصرت على برلين الشرقية. منطق التاريخ يؤكد ان بيروت ستصمد ولا يمكن ألا ان تنتصر على من لا يريد ان يستفيد ولو من درس واحد من دروس سقوط جدار برلين. في مقدم هذه الدروس ان الهرب من الأزمات الداخلية الى الخارج، لا يلغي المصير المحتوم لأي نظام من النوع الستاليني، حتى لو لبس لبوسا ذات طابع ديني، كما الحال في ايران.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00