ليس مطلوبا ان توافق حماس على الانتخابات التي دعا اليها الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس (ابو مازن) في الرابع والعشرين من كانون الثاني المقبل. المطلوب ان يتمسك ابو مازن بما ورد في المرسوم الرئاسي الذي اصدره والذي حدد فيه موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. مثل هذا الموقف الوطني المتمثل في اجراء الانتخابات يؤكد رغبة الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة واستعادة حقوقه الوطنية استنادا الى قرارات الشرعية الدولية، على رأسها القرار 242 الصادر عن مجلس الامن والذي في اساسه مبدأ الارض في مقابل السلام.
لماذا الانتخابات؟ انها اكثر من ضرورة. انها فعل مقاومة حقيقي في الطريق الى بناء الدولة وتكريس وجود مؤسسات فلسطينية منتخبة تدعم المشروع السياسي الفلسطيني، مشروع منظمة التحرير الفلسطينية الذي مكنها من الحصول على اعتراف المجتمع الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني ودخول فلسطين الامم المتحدة بصفة كونها عضوا مراقبا في المنظمة الدولية الام. ما سمح بهذا الاختراق السياسي الذي وضع القضية الفلسطينية على الخريطة العالمية هو برنامج منظمة التحرير الذي يقوم على حل الدولتين. عندما بدأ الحديث، في السبعينات من القرن الماضي، عن دولة فلسطينية مستقلة على اي شبر ينسحب منه الاحتلال، بدأ العالم يعي ان للفلسطينيين قضية وان لديهم القدرة على التعاطي مع الواقع وليس الاكتفاء بترديد الشعارات من نوع تحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر، لا فارق.
حسنا فعل الرئيس الفلسطيني عندما خرج في مؤتمره الصحافي السبت الماضي عن اللغة التي يستخدمها عادة في اللقاءات العلنية والتي تتسم بكثير من اللياقات. هذا ليس وقت اللياقات بعدما تبين ان حماس ترفض المصالحة الفلسطينية عن سابق تصور وتصميم. بدأ ابو مازن يصف الوضع في غزة على حقيقته. انها بالفعل امارة ظلامية اقامتها حماس في القطاع بهدف تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني لا اكثر ولا اقل. لم يتردد ابومازن في تأكيد ان حماس ترفض دخول المساعدات الدولية واعادة اعمار القطاع ما دامت الاموال لا تمر عبر الحركة. فضح الرئيس الفلسطيني حماس. قال ما يجب قوله في مناسبة مثل مناسبة الاعلان عن تحديد موعد للانتخابات الفلسطينية، انتخابات تكرس مبدأ تداول السلطة ووجود اكثرية واقلية في المجلس التشريعي. ليس سرا ان ابو مازن لم يتردد لحظة عندما فازت حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006 وكلف احد قادتها تشكيل الحكومة. هل مفهوم حماس للانتخابات ان الديموقراطية صالحة للوصول الى السلطة وانها مجرد وسيلة لتحقيق ذلك وان الانتخابات جيدة ومشروعة عندما تكون لمرة واحدة فقط. انها المرة التي تنتهي بوصول حماس الى السلطة كي تتمسك بها الى ابد الآبدين!
المهم الان ان يتمسك الرئيس الفلسطيني باجراء الانتخابات، تماما مثلما تمسك بعقد المؤتمر السادس لحركة فتح في اب الماضي داخل الاراضي الفلسطينية. مثل هذه الانتخابات، التي يفترض ان تجري في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، تعكس الرغبة في تحقيق تقدم على صعيد التسوية على الرغم من وجود حكومة اسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تسعى الى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية.
قبلت حماس باجراء انتخابات في غزة، التي تسيطر عليها بالحديد والنار، ام لم تقبل. ليست تلك المسألة. في النهاية انعقد مؤتمر فتح في رام الله على الرغم من منع حماس لممثلي فتح في القطاع من التوجه الى الضفة. هناك نواة لدولة فلسطينية في الضفة الغربية. لا بدّ من المحافظة على هذه النواة عن طريق متابعة حكومة الدكتور سلام فياض لعملية بناء مؤسسات لدولة فلسطينية وترتيب البيت الداخلي. استطاع الفلسطينيون في الضفة الغربية، عبر سلسلة من الخطوات الجريئة، التأكيد للعالم ان الفلسطينيين يحترمون الاتفاقات الموقعة مع اي طرف اخر. ولذلك، ساد الامن في الضفة وحصل نوع من الاستقرار سمح بحد ادنى من الازدهار الاقتصادي. بكلمة، لم تعد الضفة الغربية ارضا طاردة لاهلها كما يتمنى الاحتلال الاسرائيلي. صارت الضفة تجذب استثمارات فلسطينية وتوفر فرص عمل للفلسطينيين بعد القضاء على فوضى السلاح. ان فوضى السلاح علة العلل وتمثل اكبر خدمة يمكن تقديمها الى اسرائيل. لبنان، حيث السلاح غير الشرعي الذي يمنع تشكيل حكومة منبثقة عن الاكثرية النيابية، يشكل افضل مثل على ذلك وعلى مدى خطورة السلاح الميليشيوى لـحزب الله، رديف حماس، على المجتمع المدني، اي مجتمع مدني في اي دولة عربية او غير عربية.
يفترض في الرئيس الفلسطيني الذهاب الى النهاية في الانتخابات. كل كلام عن مصالحة فلسطينية- فلسطينية مجرد وهم لسبب في غاية البساطة. السبب يتمثل في غياب الرغبة لدى حماس في الانخراط في المشروع الوطني الفلسطيني. من دون الانضمام الى هذا المشروع، لا مستقبل للقضية الفلسطينية ولا امل من اي نوع كان في اقامة دولة فلسطينية مستقلة توفر حدا ادنى من الحقوق الوطنية للانسان الفلسطيني.
اكد ابو مازن انه ليس في وارد المناورة. لديه قاعدة متينة ينطلق منها لاجراء الانتخابات. هذه القاعدة اسمها الضفة الغربية. ان النجاح في اجراء الانتخابات، حتى لو اقتصرت على الضفة والقدس الشرقية، سيعطي دفعة للمشروع الوطني الفلسطيني وسيثبت ان لا همّ لـحماس سوى السيطرة على امارتها الطالبانية في غزة. ستكتشف حماس بعد فترة ان ثقافة الحياة لدى الفلسطيني اقوى من ثقافة الموت وان المقاومة الحقيقية تقضي بالتمسك بثقافة الحياة التي ستنتصر في غزة عاجلا ام اجلا... بغض النظر عن كل الميليشيات التي شكلتها في القطاع بهدف القضاء على كل ما هو حضاري فيه.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.