8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

خطأ القيادة الفلسطينية ليس نهاية العالم...

ليس عيباً أن تعترف القيادة الفلسطينية بخطأ ارتكبته عندما لعبت دوراً أساسياً في تأجيل بحث الجمعية العمومية للأمم المتحدة في تقرير ريتشارد غولدستون في شأن حرب غزة الأخيرة. في النهاية، إن العودة عن الخطأ فضيلة. ويبدو واضحاً أن السلطة الوطنية برئاسة السيد محمود عباس (أبو مازن) أدركت حجم الخطأ الذي أرتكبته، بسبب سوء في التقدير، وقررت العودة عنه، خصوصاً أن التقرير الذي وضعه غولدستون، بطلب من لجنة حقوق الإنسان التابعة للمنظمة الدولية، يدين إسرائيل وجرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة، كما يدين حماس بسبب إطلاقها صواريخ في اتجاه بلدات إسرائيلية انطلاقاً من القطاع. كانت إدانة إسرائيل حدثاً يستحق التوقف عنده، خصوصاً أن العالم راح يتفرج على مأساة غزة أواخر العام 2008 عندما كانت الدولة العبرية تستخدم أحدث أنواع الأسلحة في قصف أهداف معظمها مدنية!
كان مفترضاً أن تحيل لجنة حقوق الإنسان التي مركزها في جنيف، حيث المقر الثاني للأمم المتحدة، التقرير على الجمعية العمومية في نيويورك. ولكن يظهر أن الإدارة الأميركية مارست، بناء على طلب إسرائيلي، ضغوطاً على القيادة الفلسطينية أقنعتها أخيراً بالعمل على تأجيل البحث في التقرير أشهراً عدة. فقد أشارت الإدارة إلى أن التأجيل سيسمح لها بأن تكون أكثر جرأة في التعاطي مع حكومة بنيامين نتنياهو وسيمكنها من طرح أفكار جديدة في حال استئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية قريباً. من الواضح أن السلطة الوطنية والحكومة المنبثقة عنها استخفتا بردود الفعل التي كان يمكن أن تصدر عن الأوساط الشعبية الفلسطينية، وذلك قد يكون عائداً إلى عدم امتلاك رئيس السلطة الوطنية مستشارين أكفاء يعرفون في العمق ما يدور على الأرض ومزاج المواطن الفلسطيني الذي لم يصدق بعد أن لجنة دولية اتخذت موقفاً موضوعياً مما شهدته غزة بعيداً عن الانحياز لهذا الطرف أو ذاك وتحدث عن جرائم حرب إسرائيلية.
كان العامل الأهم الذي لعب دوره في جعل القيادة الفلسطينية تتراجع، حركة فتح نفسها التي اتخذت لجنتها المركزية موقفاً حاسماً من القيادة الفلسطينية ومن رئيس السلطة نفسه إلى حدّ ما. تبين بما لا يقبل الشك أن فتح بعد المؤتمر الأخير للحركة الصيف الماضي هي غير فتح ما قبل المؤتمر. نبهت اللجنة المركزية لـفتح إلى أن التأجيل لن يمر وأن من الأفضل الذهاب مباشرة إلى الجمعية العمومية أو إلى مجلس الأمن، حتى لو استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لمنع إدانة إسرائيل. سيكشف مثل هذا الموقف، من وجهة نظر فتح أن الإدارة الأميركية غير قادرة على الذهاب إلى النهاية في أي مواجهة مع إسرائيل وأن الرئيس أوباما عاجز عن تنفيذ وعوده التي أطلقها قبل انتخابه وبعد دخوله البيت الأبيض. على رأس الوعود إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل التي عليها أن تنهي احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية تماماً كما أنهت احتلالها لغزة. أن سير الجانب الفلسطيني في تقرير غولدستون إلى النهاية كفيل بكشف حقيقة قدرات إدارة أوباما والهوامش التي تمتلكها في مجال التعاطي مع إسرائيل. الأهم من ذلك كله، سيتبين ما إذا كانت الإدارة تمتلك جدية في تنفيذ أجندتها الشرق أوسطية أم أنها ستنفذ ما هو مطلوب منها إسرائيلياً لا أكثر ولا أقل على غرار ما كانت تفعله إدارة بوش الأبن.
حسناً فعلت القيادة الفلسطينية عندما أعادت النظر في حساباتها. نعم حصل خطأ. لكن الخطأ لا يعني في أي شكل الوقوع تحت تأثير المزايدين الذين سارعوا إلى شن حملة شعواء، ذات طابع شخصي، على أبو مازن من منطلق أن ما حصل فرصة لا تعوض لتقويض السلطة الوطنية. لقد حمت فتح الرئاسة الفلسطينية، كما حمت السلطة الوطنية وحكومة الدكتور سلام فياض عندما دانت تأجيل نقل تقرير غولدستون من لجنة حقوق الإنسان إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة. المهم الآن أن ينصرف الفلسطينيون مجدداً إلى مهمة حماية البيت الداخلي ومتابعة إعادة ترتيبه بعيداً عن الشعارات الفارغة التي لا تخدم إلا الاحتلال. فما كان لافتاً أن الحملة التي شنتها حماس على أبو مازن والسلطة الوطنية ترافقت مع دعم واضح قدمه لها نتنياهو بعقده صفقة الشريط الذي يظهر فيه الأسير الإسرائيلي الجندي جلعاط شاليط حياً في مقابل إطلاق عشرين أسيرة فلسطينية. أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية بما لا يقبل أدنى شك أنه حريص على تعويم حماس وعلى إضعاف السلطة الوطنية وحتى ضربها. فشعارات حماس تبرر الاحتلال وكل ما فعلته حماس بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة صيف العام 2005 يصب في تعزيز نظرية ارييل شارون القائمة على عدم وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. يقول نتنياهو ووزراؤه وكل من يرغب في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة والقدس إن إسرائيل انسحبت من غزة من جانب واحد، فماذا فعل الفلسطينيون؟
في الواقع، تدفع السلطة الوطنية حالياً ثمن ضبط الأمن في الضفة الغربية وتحسين الحال المعيشية للمواطن وتنشيط الاقتصاد. صارت الضفة أرضاً مرحبة بالفلسطيني في حين يريد الإسرائيلي فلسطين، كل فلسطين، أرضاً طاردة لأهلها. إن الخطأ الذي ارتكبته السلطة الوطنية والقيادة الفلسطينية ليس نهاية العالم، خصوصاً أن في الإمكان إصلاحه. وما قد يكون أهم من ذلك، أن العودة عن الخطأ ستسمح بالقول للإدارة الأميركية إن الكلام الجميل عن السلام ليس كافياً، وإنه لا بدّ من أفعال. إضافة إلى ذلك كله، تبين أن فتح صارت حاضرة، وأن اللجنة المركزية الجديدة للحركة لم تعد مجرد خاتم في يد أحد بما في ذلك يد الرئيس الفلسطيني، وهي تمارس بالفعل دور الرقابة على كل شخص مهما علا شأنه أكان من الحركة أو من خارجها...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00