8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

نعم كبيرة للمصالحة الفلسطينية!

ما الجديد الذي حمل حماس على التعاطي الإيجابي مع المبادرة المصرية الهادفة إلى إجراء مصالحة بينها وبين فتح تنهي القطيعة القائمة بين الضفة الغربية والقطاع منذ منتصف العام 2007؟ على من ينظر إلى الأمور عن كثب، الاعتراف بأن حماس تتصرف هذه الأيام بطريقة مختلفة تجاه المبادرة المصرية. ولا شك أن الزيارة التي قام بها السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للقاهرة زيارة مهمة، خصوصاً أنه تحدث بايجابية عن الدور المصري وتوقع توقيع اتفاق ما في العاصمة المصرية الشهر المقبل. ولكن يبقى السؤال: مصالحة من أجل ماذا؟ لا معنى لأي مصالحة من دون مضمون سياسي واضح يؤدي إلى تحقيق هدف سياسي محدد يتمثل في قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وذلك استناداً إلى حدود العام 1967. يمكن بالطبع إدخال تعديلات معينة على هذه الحدود في ضوء الحاجة إلى تبادل للأراضي، خصوصاً أن المطلوب إقامة رابط بين الضفة الغربية. يمكن لهذا الرابط أن يتخذ شكل طريق أو ممر من نوع ما يصل بين المنطقتين ويؤكد أنهما دولة واحدة وليستا كيانين منفصلين. وهذا يعني في طبيعة الحال أن لا بدّ من إدخال تعديلات على حدود 1967 نظراً إلى إنه لم يكن هناك ما يربط بين الضفة والقطاع في مرحلة ما قبل حرب حزيران 1967.
ما نشهده في هذه المرحلة، بعيداً عن الكلام الإسرائيلي عن استمرار الاستيطان الذي يستهدف سدّ الأبواب في وجه معاودة المفاوضات والجهود التي تبذلها إدارة الرئيس أوباما، جهد فلسطيني لتأكيد أن عملية بناء الدولة سائرة على قدم وساق على الرغم من كل الصعوبات والعراقيل التي يضعها الاحتلال. من مصلحة حماس في حال كانت حريصة على القضية الفلسطينية ومهتمة بالتخلص من الاحتلال اللحاق بالركب الفلسطيني بدل بقائها أسيرة المحور الإيراني- السوري. يكون ذلك بالتخلي عن الأوهام أولاً والمساهمة في المشروع الوطني الذي تنفذه السلطة الوطنية برئاسة السيد محمود عبّاس (أبو مازن) والحكومة المنبثقة عنها برئاسة الدكتور سلام فيّاض ثانياً وأخيراً.
للمرة الأولى في تاريخ الشعب الفلسطيني، هناك حكومة مدعومة من السلطة الوطنية ومن فتح تبني مؤسسات لدولة. هناك للمرة الأولى سلطة فلسطينية لا تؤمن بالتذاكي على المجتمع الدولي بمقدار ما تؤمن بوجود متطلبات معينة لا مفرّ من الالتزام بها، في حال كان مطلوباً الانتصار على الاحتلال والتخلص منه إلى الأبد.
مرة أخرى، لا وجود لشيء اسمه مصالحة من أجل المصالحة. هناك حاجة إلى مصالحة تصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني بعيداً عن الشعارات والمزايدات. في الواقع، إن المقاومة الحقيقية للاحتلال هي تلك التي تشهدها الضفة الغربية التي لم تنزلق إلى المغامرة الفاشلة التي تتابع فصولها في غزة على حساب المواطن الفلسطيني ومستقبله والقيم التي قام عليها هذا المجتمع ومكنته من الصمود في وجه المشروع الصهيوني منذ ما يزيد على قرن. هل تنضم حماس إلى المقاومة الحقيقية، التي حافظت على الهوية الوطنية الفلسطينية في أحلك الظروف، أم تستمر في سلوكها الذي يريح الاحتلال ويدعم التطرف داخل إسرائيل نفسها؟ يُفترض في حماس، بكل أجنحتها، بما في ذلك الجناح الإيراني، أن تكون قادرة على الإجابة عن هذا السؤال. لا معنى للمصالحة في حال كان الهدف منها الهرب من الأزمة العميقة التي تعيشها الحركة. تتلخص الأزمة بأن الحركة صارت أسيرة شعاراتها وتحالفاتها العجيبة، بل أسيرة الجندي الإسرائيلي الذي أسرته في حزيران- يونيو من العام 2006 والذي كلف إلى الآن مئات الشهداء وآلاف الجرحى من أبناء الشعب الفلسطيني.
بكلام أوضح، إن الهرب إلى المصالحة ليس حلاً ولا يمكن أن يشكل مخرجاً لا لـحماس ولا للذين يقفون خلفها. الحل والمخرج يكونان بالانضمام إلى المشروع الوطني الفلسطيني والمساهمة في إنجاحه. لا مانع من الانطلاق من عملية نقد للذات شبيهة بتلك التي قامت بها فتح التي تحسنت أوضاعها بنسبة مئة في المئة بعد المؤتمر الأخير للحركة الذي عُقد على الأرض الفلسطينية. لعلّ الخطوة الأولى التي يمكن أن تقدم عليها حركة مثل حماس تتمثل بالاعتراف بأن لا خيار آخر في الوقت الراهن سوى متابعة بناء البيت الداخلي الفلسطيني على أسس سليمة تقوم على فكرة في غاية البساطة. في أساس الفكرة أن على الفلسطينيين إثبات أنهم قادرون على تحمل مسؤولياتهم متى اندحر الاحتلال. ما يثير الأسف أن الفلسطينيين لم يتمكنوا من إثبات أنهم قادرون على التعاطي بجدية مع الانسحاب الاسرائيلي من غزة. كان الهدف من الانسحاب الذي نفّذه الإسرائيليون صيف العام 2005 في عهد أرييل شارون إيقاعهم في فخ. سارعت حماس إلى الفخ عندما أعلنت أنها تريد استخدام غزة قاعدة لتحرير كل فلسطين عن طريق صواريخها المضحكة- المبكية. ماذا حل بغزة؟ لماذا الحصار مستمر؟ ماذا كانت النتيجة الحقيقية للحرب الأخيرة التي مارست فيها إسرائيل كل أشكال إرهاب الدولة فيما العالم يصفق لها بصفاقة ليس بعدها صفاقة؟
نعم كبيرة للمصالحة الفلسطينية. المصالحة أكثر من ضرورية شرط أن تكون على أساس متين. لا أساس متيناً، إلى إشعار آخر، غير البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والجهود التي تبذل حالياً لبناء مؤسسات الدولة المستقلة بتعاون بين السلطة الوطنية والحكومة وفتح. هل تنضم حماس إلى المشروع الوطني الفلسطيني أم تفضل الحديث عن المصالحة لكسب الوقت ليس إلاّ ومتابعة بناء إمارتها الطالبانية في غزة على حساب كل ما هو حضاري أو له علاقة من قريب أو بعيد بالعصر والعالم المتطور؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00